في الصباح اقتحمت أنا وعزت الغرفة مهيئين لمواجهة مسخ هائج كالبركان.. لكننا لم نجد أحدا بالداخل.. دخلنا الشرفة التي كانت مفتوحة فلم نجد أحدا.. لقد طار العصفور ولكن كيف؟.. لفت عزت نظري إلى قطعة ممزقة من ثوب أبيض تعلقت بسور الشرفة.. وإلى حذاء أبيض دقيق ملقى على الأسفلت أسفل البناية.. عندئذ فهمت أنها قفزت من هناك مفضلة الانتحار على مواجهة النهار بكل احتمالاته المفزعة بالنسبة لها.. من هي براكسا؟.. من هم أهلها؟.. كيف لم تعد إليهم كل هذه الفترة؟.. أنا واثق من أن صورتها تتصدر إحدى نشرات خرج ولم يعد في مكان ما.. وبالتأكيد لها اسم آخر حقيقي لا نعرفه.. دق جرس الهاتف فرفعت السماعة لأجد رضا يصرخ:
- رفعت.. لا يوجد أطباء أسنان من كفور داود.. ولا أحد يدعى نجيب في البلدة كلها أنا متأكد من كلامي.. إنهم يخدعونك يا رفعت.. يخدعونك..
=أعرف هذا يا رضا وإنني لشاكر فضلك..
- أقول لك ألا تقدم.. لا ترتبط بهذه الفتاة.. لا مزاح في مواضيع الزواج هذه..
على الرغم مني ابتسمت.. وشكرته ووضعت السماعة..
******************
لم تعد براكسا قط.. ولم أرها أو أسمع عنها.. هناك تفاصيل عديدة تفوت الصحف وتفوتني.. كنت أتوقع أن أقرأ خبر العثور على جثة فتاة غريقة شاب شعرها.. لكني لم أقرأ خبرا كهذا ربما لأنهم لم يعثروا عليها قط.. أنا أعرف أن هذا الكائن يبحث عن وقود دائم من الأجساد البشرية.. فهل هو ما زال في مصر أم رحل بعيدا عنها إلى سيبيريا أو تمبكتو أو أي بلد ناء آخر؟.. هل سيعود لي مرة أخرى؟.. إن هذا الاحتمال لم يعد يفزعني.. فأنا اليوم في السبعين من العمر ولا يمكن القول أن موتي الآن هو خسارة لأحد.. ولا حتى أنا!.. لكنني في سن الأربعينيات كنت أرتجف فرقا في كل ليلة أسمع فيها صوت كعبي أنثى على سلم داري.. وبالطبع لم أستطع أن أعود إلى موضوع هن- تشو- كان قبل أسبوع كامل استرجعت فيه روعي ورباطة جأشي..
إن الليالي المقمرة عالم ساحر.. هذا بالطبع إذا ما تغاضينا عن الأشياء المفزعة التي يراها واسعو الخيال.. ولم أكن أعلم أنني واسع الخيال إلى هذا الحد..!..
******************
لقد كانت قصة الليلة كابوسية إلى حد ما وإنني لأستميحكم العذر.. لكن قصة الليلة القادمة لن تقل قتامة عن هذه.. فهي تلعب حول وتر الرعب من المعارف.. تيمة البارانويا الخالدة..
لكن هذه قصة أخرى..
د.رفعت إسماعيل..
القاهرة..