7- أسطورة رأس ميدوسا - مقدمة القصة
1- الأسطورة..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تقول الأسطورة الإغريقية إن برسيوس البطل المغوار كان واحدا من هؤلاء الأبطال الذين تزخر بهم الأساطير اليونانية شديد الوسامة شديد البأس.. وهو -كالعادة- ابن زيوس من امرأة بشرية.. وعلى حين كان إخوته من الأب يمارسون أعمالهم.. هرقل مشغول بقتل الهيدرا.. وأطلس منهمك في رفع الكرة الأرضية.. وبرومثيوس معلق بين الجبال يتلقى عقابه الأبدي.. وجاسون يبحث عن الفروة الذهبية.. كانت هناك مهمة أكثر تعقيدا تنتظر بروسيوس.. كانت كاسيوبيا الحسناء المغرورة قد بالغت في غرورها ووقاحتها إلى درجة أثارت حنق سادة الأوليمب.. لهذا سلطوا على جزيرتها الفيضانات والزلازل.. ثم جاءت الطامة الكبرى حين أرسلوا للجزيرة تنينا مرعبا اسمه الكراكون وكان هذا التنين يطلب-كالعادة-أن تقدم له القرابين البشرية وإلا أغرق الجزيرة بما عليها.. وهكذا وجدت كاسيوبيا نفسها مرغمة على تقديم ابنتها الجميلة أندروميدا لإشباع شهية التنين الشره.. وهكذا كانت أندروميدا هي الضحية القادمة ما لم يحدث شئ ما.. وفي هذه اللحظة يصل بروسيوس إلى الجزيرة.. وطبعا يقع في حب الفتاة المختارة لقربان التنين ويصمم على قتل الوحش لإنقاذ حبيبته.. ولكن كيف؟.. إن هناك طريقة واحدة لكنها أفظع من التنين نفسه.. رأس ميدوسا.. إن ميدوسا وأختيها هن أشنع ما ذكر في الأساطير اليونانية من مخلوقات ويسمونهم الجرجونات الثلاث.. لقد كانت ميدوسا وأختاها فتيات طبيعيات جدا حتى غضب عليهن زيوس فأحالهن إلى.. أولا: تحولت الأيدي إلى نحاس.. ثانيا: ازددن بشاعة وصار لسانهن مشقوقا كلسان الأفاعي.. ثالثا: تحول شعرهن إلى ثعابين ذات فحيح.. ولدغتها قاتلة.. رابعا: - وهذا أسوأ ما في الأمر- صارت نظرتهن كافية لأن تحول من تلتقي عيناه بأعينهن إلى حجر.. خامسا: نفين إلى جزيرة في البحر المتوسط لم تحددها الأسطورة حيث يعشن في الكهوف وسط عشرات التماثيل الحجرية لأولئك البحارة التعساء الذين ألقى بهم الحظ العاثر على شاطئ تلك الجزيرة.. إنه عقاب قاس لكنه ليس أقسى عقاب في الأساطير الإغريقية.. فكما ذكرنا كان هناك عقاب برومثيوس الذي قيد بين جبلين وفي كل يوم يلتهم الرخ كبده.. وفي الليل ينبت له كبد جديد.. وعقاب سيزيف العبثي الذي حكم عليه بدحرجة صخرة إلى قمة الجبل فكلما وصل إلى القمة سقطت الصخرة للسفح.. وعقاب تنتالوس الذي كلما حاول الشرب من النهر هرب الماء منه وكلما حاول الوصول لتفاحة ارتفعت الأغصان لأعلى.. دعك من عقاب إيكو وبرسفونية وغيرهم
والآن.. عليك يا برسيوس أن تقطع رأس ميدوسا!!.. ولكن كيف؟.. كيف يمكن مواجهة مخلوق بهذه الصفات؟.. دعك من السؤال الأهم.. كيف تقتل مخلوقا دون أن تراه؟!.. لكن برسيوس - مثله مثل هرقل وثيذيوس- بطل إغريقي أصيل.. يبحث عن المتاعب حيث وجدت ويحمل قدره على كفه ولا يملك الاختيار.. لهذا يروق كثيرا لسادة الأوليمب.. ولهذا يتلقى زيارة من هرمز يحمل له بعض الهدايا التي تبرع بها كل من وجد لديه شيئا يتبرع به.. الخوذة التي تخفي من يرتديها.. والسيف الذي لا يضرب إلا ويصيب هدفه.. ثم الدرع البراقة الشبيه بالمرآة.. لا بأس بتاتا.. والآن ينطلق برسيوس مع رفاقه عبر مياه البحر المتوسط قاصدين جزيرة الجرجونات الثلاث.. وبالطبع حدثت لهم مئات المصائب والغرائب في رحلتهم مثل ما حدث لجالون وأوليس العائد من حرب طروادة.. ونحن لا نعرف مسار الرحلة بالضبط ولا الجزيرة المقصودة لكن من الواضح أنها قريبة جدا من جزيرة كريت ولن أطيل سرد القصة.. دخل بروسيوس كهف ميدوسا وقدماه ترتجفان كالجيلي وهذا من حقه.. حوله عشرات التماثيل الشنيعة لبحارة ماتوا قبل أن يفهموا ما الذي قتلهم.. الوجوه الصارخة.. الأكف المرفوعة.. كيف شعروا في اللحظة التي خرجت لهم ميدوسا من الكهف لترمقهم بعينيها الداميتين؟.. هل فهموا لحظتها أن الحظ العاثر اختار لهم من بين كل جزر البحر المتوسط جزيرة الجرجونات الثلاث ليغرقوا عندها؟.. ترى هل تألموا؟.. إذا لم يكونوا قد تألموا فلماذا صرخوا؟.. أسئلة عديدة لابد أنها دارت في رأس بروسيوس ورفاقه وهم ينسلون في حذر ما بين التماثيل باحثين عن ضالتهم عالمين أن هذه التماثيل ستزداد عددا بعد دقائق ما لم تحدث معجزة ما.. إن من شاهدوا هذه المشاهد في فيلم (صدام الجبابرة)- والتي خلقتها عبقرية ساحر المؤثرات البصرية (راي هاري هاوزن)- لن ينسوا هذا الجو الكابوسي أبدا.. إلا أن ميدوسا لم تكن تزحف كالثعبان ولم تكن تطلق السهام.. ولم تكن تعيش وحدها.. والآن تصحو ميدوسا فيخفي الرجال وجوههم خلف الدروع..وتصرخ:
- من ذا الذي يجرؤ على إزعاج ميدوسا؟!..
فيصيح بروسيوس مداريا وجهه:
- أنا بروسيوس.. جئت لأقتلك..
وتتقدم ميدوسا - وشقيقتاها نائمتان لحسن الحظ - نحو أول الرجال فيتعثر وتلتقي عيناه بعينيها فيصرخ صرخة رعب لا توصف ويتحول لحمه إلى حجر.. وهنا توجد نهايتان مختلفتان للأسطورة.. النهاية الأولى تقول: أنها رأت وجهها في انعكاس درع بروسيوس البراق فصرخت وتحولت لحجر.. النهاية الثانية تقول: إنها تقدمت نحو بروسيوس الذي استجمع شجاعته وحاسة المكان عنده ليطير رقبتها بضربة واحدة ثم يبادر بالفرار قبل أن تصحو أختاها.. إن هناك شيئا واحدا مؤكدا -إذا أمكننا أن نقول ذلك عن أسطورة- هو أن بروسيوس قد قتلها.. ولم يمس شقيقتيها وأنه عاد بالرأس في كيس ليظهره أمام التنين في اللحظة المناسبة قبل أن يبتلع حبيبته أندروميدا - حبيبة بروسيوس طبعا وليس التنين- وليتحول بعدها الوحش إلى تمثال حجري وتسود السعادة البلاد.. الآن حق لبروسيوس أن يستريح ويتزوج ويهنأ بالا.. أما نحن فلن نستريح حتى نعرف الإجابة على سؤالين: ماذا حدث للرأس؟.. وماذا كان مصير الجرجونتين الباقيتين؟.. بالنسبة للسؤال الأول لم تتفق الأساطير على إجابته.. ثمة حكايات تقول إن بروسيوس رمى الرأس في مياه البحر.. وثمة حكايات تقول إنه أهداه لهيرا زوجة زيوس لتتخلص به من أعدائها.. وثمة حكايات تتجاهل الأمر كله تاركة ذلك لخيالنا.. السؤال الثاني ظل وسيظل بلا إجابة.. ماذا حدث للشقيقتين؟!..
والآن تعالوا نغلق كتاب الأساطير تاركين بروسيوس مع عروسه الجميلة وثيذيوس في المتاهة مع المينوطور.. وديدالوس يرفرف بجناحين من شمع مع ابنه إيكاروس الذي أرجو ألا يقترب كثيرا من الشمس.. تعالوا نترك كيوبيد وبسشيه يتهامسان.. وشارون مبعوث الجحيم مع كلبه ذي الرأسين.. لنترك هذا العالم الساحر ونعود إلى أرض الواقع.. إلى الجزيرة الهادئة الصغيرة حيث يقوم عالم الآثار اليوناني ستافروس دندرينوس ببعض الحفريات.. وحيث ستحدث كارثة بعد قليل..
الرئيسية 
