كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 أسطورة آكل البشر (2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

أسطورة آكل البشر (2) Empty
مُساهمةموضوع: أسطورة آكل البشر (2)   أسطورة آكل البشر (2) Emptyالأربعاء يناير 31, 2018 5:55 am

2- الزيارة..
ــــــــــــــــــــــ
القاهرة في 1يناير 1965
أخي العزيز (عادل):
أكتب لك هذا الخطاب في أول أيام العام 1965 راجيا من الله أن يجعله عاما باسما عليك وعلى الأسرة.. وأن ينضم عميد شرطة إلى قائمة أصدقائي عما قريب!.. أنهيت خطابك السابق بكلمة تليق برجل شرطة محنك هي:أنني أرتاب.. ولعمري لقد ذكرتني هذه الكلمة بكلمة إميل زولا الخالدة: إنني أتهم!.. في سلسلة مقالاته الشهيرة التي لابد أنك نسيت كل شئ عنها حيث اتهمت السلطات الفرنسية أحد كبار الضباط بالخيانة فيما عرف باسم قضية درايفوس برغم عدم كفاية الأدلة من ثم جرد الأديب الفرنسي إميل زولا قلمه وكتب مقالات ملتهبة تحت عنوان (إنني أتهم) وقد نجحت المقالات في جعل الحكومة تعيد المحاكمة وتبرئ درايفوس.. تسلمت هذا الخطاب في ليلة رأس السنة.. كنت وحدي- كالعادة - أجلس في فراشي وحولي عشرات المراجع الطبية وبجواري المدفأة اللعينة وكوب الشاي إياه وفوقي عدد غير عادي من البطاطين.. لكني كنت أرتجف!.. وكانت الدموع تكاد تثب من عيني لأنه ما من إنسان يعبأ بي أو يقول لي كل عام وأنت بخير.. مجرد ليلة أخرى وعام آخر يضاف إلى أعوامي الأربعين.. في الراديو يترنم عبد الوهاب بأغنية ما.. وثمة بطاقة من إدنبرة تحمل توقيع ماجي تتمنى لي عاما سعيدا وتقول إنها قد.. خُطبت!.. ولا ألومها على شئ لأنني لم أكن فاعلا أي شئ من أي نوع يبقيها لي.. إن الأمور قد سارت في مجراها الطبيعي وكل شئ على ما هو متوقع ولكن ما سر هذه الغصة في حلقي؟!.. وعبدالوهاب لم يزل يغني.. وهنا دق جرس الباب.. تململت.. وشعرت بالضيق لأن ترك الفراش في هذا الزمهرير - وبعد أن صار دافئا كحضن أمي- أمر غير إنساني.. أطلقت سبة وشرعت أنتظر الدقة التالية التي ستجعل فتح الباب أمرا لا مفر منه.. ولكنها لم تأت.. كانت الساعة الثانية عشر والربع مساء ولم يكن من المتوقع أن يدق أحد جرس الباب في هذه الساعة إلا لأمر هام.. أضف إلى هذا أن من يدق الجرس لأمر هام لابد أن يعاود الكرة عدة مرات في لهفة وفي جزع.. ولا يبدي هذا الصبر المبالغ فيه.. إن هذا التناقض قد أثار ريبتي.. من ثم أزحت الأغطية وانتعلت شبشبي والروب واتجهت عبر الصالة المظلمة إلى الباب وفتحته بحذر بعد أن أضأت مصباح المدخل.. كان السلم مظلما لكن نور المصباح نجح في إزالة الظلمة إلى حد ما.. وعلى الضوء الخافت كان جاري الشاب واقفا وقد ارتدى معطفا أنيقا وبدت عليه علامات الحرج وكانت قطرات الماء تبلل شعره وكتفي معطفه وأنفه..
- مساء الخير..أرجو عدم المؤاخذة..
قالها بصوت عميق فيه رجولة ورزانة:
=مساء النور..
تنحنح كمن يجد الأمر صعبا..ثم همس:
- إنني قد عدت للبيت لتوي..وكنت أوشك على تناول عشائي و.. أعني هل أجد عندك بعض التوابل؟!..أنا أموت جوعا..
توابل؟!.. توابل في منتصف الليل؟!.. لابد أن أحدنا مجنون!.. لا أعتقد أن ماجلان الذي دار حول الأرض من أجل التوابل كان يجرؤ على إيقاظ جاره في هذه الساعة من أجلها.. ماذا كنت تفعل لو كنت مكاني؟!.. بالطبع كنت ستوجه إليه عبارات اللوم وتصفق الباب في وجهه أو تحطم أسنانه أو تقتله دون مناقشة.. لكني لست كالآخرين.. وأنت تدرك أنني لا أستطيع حقيقة أن أغضب على أي شئ.. ثم أن أسلوبه المهذب جعل من المستحيل عليّ أن أطرده أو أزجره.. أضف إلى هذا أنني كنت لم أنم بعد ولقد قدم لي الحظ فرصة التعرف إليه على طبق من فضة.. فهل أرفضها؟!.. دعوته للدخول إلى أن أحضر طلبه فلم يكذب خبرا.. أجلسته في غرفة الجلوس.. وكانت رائحة البلل والبرد تفوح من معطفه وشعره وكل شئ.. رفع عيناً حذرة إلى جدران الحجرة وسقفها ثم قال:
- بيتك يوحي بذوق رائع..
شكرته على هذه المجاملة.. فقال وهو يعبث ببطارية نسيتها على المائدة:
- لابد أنها المدام..صاحبة هذه اللمسات الساحرة..
فأفهمته الحقيقة - برغم أنني واثق بأنه يعرف- أنني غير متزوج..
- إذن تعيش وحدك؟!..
كدت أرد بالإيجاب لكن الحافز الخفي المجهول الذي جعلني أتخذ أغرب القرارات في حياتي (وأحكمها) ذلك الحافز جعلني أقول كاذبا:
=هناك صديق يعيش معي.. وسيعود بعد قليل..
ابتسم في رزانة قائلا:
-آه من حياة العزاب هذه!..
ابتسمت وتركته متجها نحو المطبخ.. وفتحت النملية الخشبية وشرعت أسكب في أوراق صغيرة ممزقة من الجرائد بعض الفلفل وبعض الشطة وبعض البهارات..الخ
- أنت تكره غسيل الصحون مثلي!!..
وهنا أجفلت!.. لقد كان واقفا خلفي في المطبخ يرمق الأطباق المكدسة في الحوض والتي تعود لأسبوع مضى.. متى أتى؟.. وكيف لم أسمع خطواته؟!.. وأية وقاحة دفعته للسير بهذه الحرية في بيت لا يعرفه؟!.. كأن عزوبيتي قد أعطته تصريحا غير مباشر بأن يتنقل في داري كما يشاء.. هل أطرده؟.. الواقع أنني شعرت أن اللحظة المناسبة لذلك لم تأت بعد وأنه لم يرتكب حتى هذه اللحظة جريمة حقيقية أعاقبه عليها.. إنه يفتقر للياقة وهذا كل ما هنالك.. لففت التوابل التي اخترتها له في أوراق صغيرة.. ثم سألته:
=لم أعرف اسمك بعد..
- اسمي عزت.. عزت شريف..
ومد إبهامه في إحدى الأوراق وأخرجه ملونا بالشطة ولعقه في تلذذ:
- أنا ضابط بحرية تجارية وأعيش وحدي هنا..
كانت ملامحه واضحة أمامي الآن كأفضل ما يكون وقد بدا لي وسيما إلى حد ما لكن نظراته حادة بشكل مزعج.. ثم شفتاه الرفيعتان الصارمتان توحيان بقسوة غير عادية.. دعك من لون بشرته الذي هو خليط من اللونين الأسمر والأصفر.. والهالات الداكنة تحت عينيه.. ونحوله الشديد... كل هذا يذكرني بالمظهر الترابي الذي يصف الأطباء به وجه مريض الفشل الكلوي المزمن.. أما يداه فكانتا معروقتين شديدتي الخشونة مما جعلني أندهش من أن يوجد إنسان عمله كتابي -وليس يدويا- ويملك هاتين اليدين.. على كل حال - أعترف - لم يكن وجوده مريحا على الإطلاق وقد بدا لي أن الصداقة لن تجمع بيننا أبدا.. وأنني أرغب في الخلاص منه بسرعة.. إلا أنني على سبيل اللياقة فتحت (النملية) وأخرجت منها قطعتين من الجاتوه كنت قد أبقيتهما على سبيل الاحتفال برأس السنة وحدي إلا أنني لم أعد أشعر بأية شهية تجاههما.. وضعت القطعتين في طبق وقدمتهما إليه مع شوكة صغيرة وقلت:
=كل عام وأنت بخير..هذا هو احتفالي الصغير برأس السنة..
حاول الاعتذار إلا أنني ألححت عليه.. وبدا لي مجبرا أكثر مما يحتمله الأمر.. وهنا حدث شئ غريب.. ما إن دس بقطعة الجاتوه الأولى في فمه حتى بدت عليه أعتى علامات الاشمئزاز وتقلصت ملامح وجهه وأشار - في تشنج - إلى فمه الملئ.. ففهمت وقدته بسرعة إلى الحمّام وهو يكتم بيده شفتيه..وحشرجة محمومة تسبقه.. وسمعته - خلف الباب - يتقيأ.. غريب هذا.. لا أظن أن الجاتوه كان سيئا إلى هذا الحد ولا أظنه فسد بهذه السرعة في هذا البرد.. تذوقت القطعة الباقية في طبقه فوجدتها ممتازة.. وهنا عاد من الحمام يترنح وقد ازداد وجهه اصفرارا.. وقال وقد لاحظ أنني تذوقت الجاتوه:
- معذرة.. معدتي.. إنها لا تحتمل الحلوى..
=وكيف ستحتمل كل هذه التوابل إذن؟!..
- هذا.. أعني.. انعكاس شرطي.. اشمئزاز لا أكثر.. والآن أشكرك وآسف على الإزعاج..
وكور قبضته على الأوراق الملفوفة على التوابل.. ثم سار مترنحا إلى الباب الخارجي وأحنى رأسه محييا وانصرف.. يالها من زيارة!!.. على العموم لم أزل أعتقد أن له أعماقا ما.. فكلمة انعكاس شرطي لا ترد على ألسنة الناس العاديين ما لم تكن لديهم خلفية واهية من علم الفسيولوجي أو علم النفس أو كليهما.. ثم إنه رزين ومتزن بلا شك.. والآن.. هل ما زلت تشك في كاره الحلوى هذا؟!.. تحياتي واكتب لي سريعا..
أخوك: رفعت إسماعيل..
***************************************



الاسكندرية في 7يناير 1965
عزيزي (رفعت):
سيصلك هذا الخطاب بعد رأس السنة بعشرة أيام على الأقل مبرهنا مرة أخرى على أنك الأكثر مجاملة وودا ورقة مشاعر.. أشكرك على البطاقة الرقيقة وعلى خطابك الطويل الذي كتبته على أربع ورقات فلوسكاب مما يشي بقدر من المودة أرجو أن يستمر طويلا!.. حكيت قصتك ثم سألتني في آخرها: هل ما زلت تشك؟!.. طبعا أشك.. وقد ازداد شكي إلى حد غير عادي.. الواقع أن منطقك وسردك للأحداث يعكسان بلاهة قلما أصادفها..
1- تقول إنه زارك بعد منتصف الليل وتجوّل في شقتك دون إذن ثم تصفه بأنه مهذب رزين..
2- يقول هو إنه جائع ثم يتقيأ بمجرد أن يضع قطعة الجاتوه في فمه..
3- يقول هو إنه كان على وشك تناول عشائه وبرغم هذا ثيابه وشعره مبللان مما يوحي بأنه قد عاد لتوه من الشارع.. أنت - حين تعود لبيتك في يوم ممطر - تخلع معطفك وتجفف شعرك.. ثم تدخل المطبخ وتبدأ في البحث عن شئ تأكله وتجهز كل شئ.. ثم بعد نصف ساعة على الأقل تكتشف أنه ليس لديك توابل وتفكر في اقتراضها من الجيران.. وغالبا لا تفعل..
4- ثم ما نوع المعدة التي تتحمل كل هذه التوابل قبل النوم ولا تتحمل قطعة جاتوه بريئة؟!..
5- وما هو نوع العمل اليدوي الذي يجعل اليدين خشنتين في مهنة الضابط البحري؟!..
6- ثم إنه قد فاتك شئ شديد الأهمية وعهدي بك أنك تلاحظ جيدا.. كيف تقول إن ثيابه كانت مبللة في حين أن السماء لم تمطر في أية بقعة من مصر في تلك الليلة ليلة 31ديسمبر1964؟!.. لقد قرأت النشرة الجوية بعناية - لأنها لم تمطر عندنا في الاسكندرية يومها- بل سألت أخي المقيم بالقاهرة تليفونيا.. فمن أين جاء هذا الأخ بالمطر؟!.. ستقول لي أن منطقي يلتهم بعضه وأنني شككت - في النقطة السادسة - في إحدى الأساسيات التي بنيت عليها النقطة الثالثة!.. حسنا.. أنا لا أعبأ بهذا الهراء ولا وقت لديّ من أجله.. كل ما أريد أن أقوله لك هو.. خذ الحذر ولا تفرط في الثقة بهؤلاء الأشخاص الودودين الذين يأتون ليلا.. إن عندي الكثير من القصص المأساوية التي تشابه قصتك وكانت نهايتها دائما في محكمة الجنايات أو منضدة الطبيب الشرعي!.. أما بخصوص ماجي.. فتقبل عزائي الحار على سلبيتك وترددك وعاطفتك التي جعلتك تفقد أول وآخر حب في حياتك والآن حاول أن تنسى تلك الذكية العطوف المليئة بالحيوية وحاول أن تجد زوجة!.. وعندي لك واحدة ليست ذكية ولا عطوفا ولا مليئة بالحيوية لكنها زوجة!!.. وهي أخت سهام زوجتي.. مدرسة في التاسعة والعشرين من العمر خارجة من تجربة فاشلة لا ذنب لها فيها.. والمهم أن نراك في الاسكندرية لنرتب لقاءكما معا في بيتي.. لا تندهش.. فهذه الزيجات التقليدية هي التي تنجح دائما.. ثم إنك لست أفضل مني.. وأنا تزوجت هكذا!.. تحياتي وشكرا جزيلا..
أخوك: عادل توفيق..
*********************************************
القاهرة في 11يناير 1965
عزيزي (عادل)
أكتب لك هذا الخطاب وأنا أشعر أن هناك أشياء غير عادية تحدث في الشقة المجاورة...!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
أسطورة آكل البشر (2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أسطورة آكل البشر (10)
» أسطورة آكل البشر
» أسطورة آكل البشر (1)
» أسطورة آكل البشر (3)
» أسطورة آكل البشر (4)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: