11-خاتمة..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال السير جيمس:
- وهكذا انتهت تلك القصة دون أن نقدم للعالم دليلا على وجود هذا الوحش ناهيك عن جثته.. لقد ضاع كل هذا المجهود هباء..
ثم نظر نحوي في لوم:
- لو أنك لم تلق للبحر بقلادة الفداء والبوق العاجي لاستطعنا تدبير لقاء آخر مع هذا الوحش نكون فيه أكثر استعدادا.. لكني أصارحك لست غاضبا منك إلى الحد الذي أحاول أن أبدو به..
قالت ماجي باسمة وقد استعادت لياقتها بعد نوم عميق:
- المشكلة أن رفعت اقتحم غرفة نومي بالأمس وأجبرني على..
- على ماذا؟!..
- على حرق كل ما دونته عن تردد واطوال الموجات الخاصة بالبوق حتى لا أحاول صنع بوق آخر.. بل إنه مزق الورقة التي رسمنا عليها القلادة اللعينة..
هز سير جيمس رأسه في حسرة فقلت لماجي وأنا أرتب ثيابي أمام المرآة:
=هكذا سيظل الوحش ذخرا لاسكتلندا يتساءل الناس عن كنهه ويفرحون بلقطة رديئة يبدو فيها من تحت الماء.. إنه سيعتاد أكل الأسماك مرة أخرى وينسى كل هذا الهراء إلى أن يجد أحدهم البوق مرة أخرى بعد قرون.. وينفخ فيه..
نظرت إليّ ماجي وهمست:
- للأبد؟!..
=ماذا؟..
- قلت إنك باق معي للأبد.. فلماذا ترحل الآن؟!..
=هل نسيت إيوان فريزر؟!..
نظرت إليّ في ذهول ثم أخذت تضحك وهي تصفق بيديها:
- إذن أنت تغار منه؟.. لم أدرك من قبل ذلك.. ولم أعرف أنك معدوم الثقة بالنفس إلى هذا الحد.. دع عنك هذه الخزعبلات يا رفعت.. لو كنت سأقع في غرام كل من يحكي لي قصة مسلية فأنا لم أزل طفلة غريرة.. إنه مسل لكنه مهرج كبير وجزار.. فهل تظن أنني بلهاء إلى الدرجة التي لا أفهم فيها هذا؟!..
ثم مدت سبابتها إلى أنفي مداعبة:
- أنا لم أعد مراهقة.. إنني.. أقترب من حافة الأربعين.. والمرأة في سن الأربعين تفهم ما هو الحب..
=لكني..
- إن المرأة تحب رجلها ليس لأنه أقوى الرجال ولا أوسمهم ولا أغناهم بل لأنه هو.. هل تفهم هذا؟.. لأنه هو بضعفه وبقوته.. بهزاله وربوه وضيق شرايينه التاجية.. لأنه هو.. والحب ليس استعراض قوة لكنه طاقة عطاء دافئة مستمرة.. كيف أنسى نضالنا المشترك بهذه البساطة؟..
- ثم إنك لست معدوم الحيلة إلى هذا الحد.. إنك قد أنقذتني وأنقذت إيوان نفسه.. إنك فككت قيود حبيبتك كما يفعل طرزان مع جين في نهايات أفلامه..ومن أجلي قاتلت..
قلت في حزن مواصلا كلامها:
=وقتلت..
- لم تقتله لأنه هو الذي رمى بنفسه أمام الوحش.. ثم إنه لم يترك لك الخيار.. وهذا هو الفارق بينك وبين فريزر الذي كان سيحكي قصة احتراق آنفريد بالحمض في فخر شديد لو أنه كان مكانك..
ارتجفت تأثرا - إعجابا بنفسي - وكاد البكاء يغلبني إلا أني تمالكت نفسي وأخبرتها أنني يجب أن أذهب مرة أخرى لأن جذوري هناك في مصر.. عملي وأهلي وبيتي وقبري.. وأنني حين وعدتها بالبقاء معها لم أكن أدري ما أقول.. وكنت مدفوعا ببركان عواطفي يقذف الوعود بلا حساب.. قربت وجهها مني وهمست في حزن:
- للأبد؟!..
=ماذا؟..
- ستظل تذكرني.. إذن للأبد؟..
=وحتى تحترق النجوم..وحتى..
وهنا صاحت في هلع وهي تشير إلى شئ خلف ظهري:
- رفعت.. إن هذه الحلة الحديدية الخاصة بالسير آرشيبالد ماكيلوب تتحرك.. أقسم على هذا.. إن هناك شبحا في هذه القاعة..
لقد انتهينا من الأخ نيسي لكي يبدأ هذا الأخ آرشيبالد ماكيلوب في تنغيص حياتينا!.. قلت في إحباط وأنا أبتعد عنها وأرتب حقيبتي:
=سأعود من أجل هذا الموضوع يوما ما.. حاولي أن تحتفظي بهذا الشبح في حالة جيدة من أجلي!..
- فليكن.. هذا وعد!..
وبعد أسبوع أو أكثر عدت لبيتي في الدقي بالقاهرة العزيزة.. وذكريات جديدة تتخذ أماكنها في متحف ذكرياتي وفوق رفوف خواطري.. ظننت أن مشاكلي قد انتهت ولكني - كالعادة - كنت مخطئا فقد كان هناك كابوس آخر ينتظرني في نفس المنزل الذي أسكنه ونفس الطابق..
ولكن هذه قصة أخرى..
د.رفعت إسماعيل..
الرئيسية 
