كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 19- أسطورة الغرباء - الفصل السادس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

19- أسطورة الغرباء - الفصل السادس Empty
مُساهمةموضوع: 19- أسطورة الغرباء - الفصل السادس   19- أسطورة الغرباء - الفصل السادس Emptyالإثنين فبراير 05, 2018 1:52 am

عودة إلى السرد التقليدي للأحداث.. مع د. رفعت إسماعيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحية يا رفاق.. مضيفكم رفعت إسماعيل يعود لكم من جديد ليثرثر بالأسلوب التقليدي المعتاد حاكيا لكم ما مر به من أحداث في هذه التجربة المروعة.. قدمت لكم في الصفحات الماضية سيلا من قصاصات الصحف والمقالات والصور الشخصية والتقارير وتحقيقات الشرطة.. وتركت لكم أن تستنتجوا منها ما تحبون دون تدخل مني بأي شكل لكني أشعر في هذه اللحظة بالذات أنني أرغب في الكلام.. في الثرثرة.. إن الصفحات الماضية جعلتني أشعر بما يحسه العداء الكسيح أو المطرب الأخرس أو الملاكم الأكتع أو الرسام الضرير.. فلم لا أكف عن استعراض العضلات هذا الشبيه بلزوميات أبي العلاء المعري؟.. لقد كان الشعراء يكتفون بتماثل آخر حرف في كل بيت شعر ويسمونه حرف الروى حتى جاء أبو العلاء المعري فألزم نفسه بتماثل آخر ثلاثة حروف وهو شئ لم يضطره إليه أحد.. هو أحس بضرورة أن يزيد عدد الأصفاد حول قدميه ليظهر براعته أكثر ويستعرض عضلاته أكثر.. وأنا لست أبا العلاء المعري.. لهذا اسمحوا لي سأنطلق كعبد بلا أصفاد فوق الصفحات التالية..
**************************************
لقد ألممتم في الصفحات الماضية بجوانب اللغز الذي قلما يحدث في حياة قرية سويسرية هادئة مثل موندهاوزه.. عرفتم د.هوفمايشتر وهاينز شمارت والبروفسور شوندر وعرفتم علامات الاستفهام التي أحاطت بالقصة.. لكن مفتش الشرطة الأحمق شبيرت احتفظ بغروره فلم يشرك معه أحدا في تلك المعلومات التي جمعها ولولا هذا لاستطاع د.هوفمايشتر أن يفند أكثر ما قاله هاينز في اعترافه.. ومنه مثلا أنه حاول الانتحار منذ ثلاثة أسابيع.. لقد قام د.هوفمايشتر بفحص الفتى منذ فترة قريبة جدا وكانت نتيجة الفحص جازمة هي أن معصمي الفتى على ما يرام ولم توجد بهما أية جروح.. ولقد كذب الفتى علينا حين فحصناه في خلوة إذ زعم أن الضمادة حول معصمه هي رباط ضاغط وضعه لألم أحس به في هذا الموضع ولم يكن المفتش معنا لينفي ذلك.. وحين انتزع د.هوفمايشتر الضمادة لم نر شيئا غير عادي ولا حتى ندبة صغيرة.. لكن المفتش لم يحضر فحصنا ولم يكلف خاطره بسؤالنا عن رأينا بل اكتفى بأخذ التقرير الذي كتبه د.رايتمان ووضعه في درج مكتبه دون تعليق.. على كل حال كان يؤمن مثلنا بأن الفتى كاذب خاصة وقد تعرف رجاله الخنجر وعرفوا أنه تم شراؤه من متجر شلوندرف بسعر عشرة فرنكات يوم الحادث بالضبط.. أي أن الخنجر لم يكن موجودا عند الفتى منذ ثلاثة أسابيع ليقطع شرايينه.. الغريب هنا أيضا أن الفتى اشترى سبعة خناجر من ذات المتجر وزعم للبائع أن أصدقاء كثيرين له مولعون بنوع الصلب الجيد الذي صنع منه هذا الخنجر.. فأين ذهبت الخناجر الستة الأخرى؟.. الأمر الثاني الذي لم يصارحنا به المفتش هو ما ذكره الفتى بثقة عن أن أخاه بيتر لم يكتب الشعر في حياته.. إن القرية كلها تعرف هواية بيتر للشعر الردئ في الواقع وتعتبره شاعرها المعتوه فكيف لا يعرف هاينز هذه الحقيقة عن أخيه؟.. لقد أحس المفتش أن الفتى لا يعرف حقيقة أن بيتر يكتب الشعر ومعنى هذا أنه لا يعرف بيتر حقا.. بعبارة أخرى إما أن هاينز أصيب بفقدان ذاكرة جزئي وإما أن هذا الفتى ليس هو هاينز..
******************************
أكاد أموت مللا.. كئيبة جدا فكرة السجن الجليدي داخل قرية تعزلها الثلوج عن العالم الخارجي.. السجن الأبيض البارد ينسيك كل شئ عن الطرقات والشوارع الواسعة التي تتسابق فيها السيارات.. تشعر باختناق كلما نظرت إلى السماء وتمنيت لو فردت جناحين تحلق بهما بعيدا.. نحو بلادك الدافئة.. تتمنى أن ترى الطين الأسمر الجميل بدلا من هذه المادة البيضاء الباردة التي زحفت على روحك حتى جمدتها بين ضلوعك.. لقد عشت تجربة القرية التي عزلها الجليد في تلك القرية الرومانية التي واجهت فيها المذءوبين.. ماذا كان اسمها؟.. كرايوفسكا على ما أظن.. لكن سجني الجليدي لم يطل وقتها ثم إن الأحداث العاصفة التي حدثت هناك لم تدع لي مجالا للشعور بالوحشة.. أما هنا فحدث بلا حرج عن شعوري بالإحباط والاختناق وأنا أعد الأيام بانتظار ذوبان الجليد كي أعود لبازل فجنيف فمصر دون إبطاء.. صحيح أنني في سويسرا جنة الله في الأرض.. لكن الحقيقة التي لا يغفلها أحد هي أنني لم أعد قادرا على الاستمتاع بأي وضع يبقيني بعيدا عن غرفة نومي ووسادتي.. كانت تسليتي الوحيدة هنا هي الخروج مع البروفسور شوندر ود.هوفمايشتر وذلك السمج الذي لا أدري سر بقائه حيا د.هاينز رايتمان..
وكنا نذهب في زيارات لديار هؤلاء المراهقين والشبان الذين بدت عليهم أمارات الداء المريب الذي تحدث عنه د.هوفمايشتر.. لقد بلغ عددهم عشرة.. والقصة دائما هي: العزلة والعصبية والبعد عن المجتمع الخارجي مع نحول ملحوظ وبالطبع الجزء الدائري العاري من الشعر في مؤخرة الرأس والذي يحرصون جميعا على مداراته بقلنسوة صوفية.. ويلاحظ الأهل دوما أن الفتى تغير لحد غير عادي.. بل وأنه نسي الكثير من الأشياء التي تشكل جوانب جوهرية جدا من حياته.. إن هذا لغريب حقا..
*************************************
أمضي الوقت في تعلم اللغة الألمانية محاولا إضافتها لمجموعة اللغات التي أملك "الحد الأدنى من الأمان اللغوي" لها.. ومنها الفرنسية واليونانية.. لكن الحقيقة هي أنني شخت حقا.. وكلما دخل عقلي لفظ أو تعبير جديد تسرب من عقلي لفظ يوناني أو فرنسي مماثل.. كأن تجويف مخي محدود الحجم لا يسمح سوى لكم معين بالدخول إليه.. وأي معلومة جديدة تقابلها خسارة لمعلومة قديمة.. إن هذا ينافي المنطق لكنه حدث.. أرجو ألا يأتي اليوم الذي تطرد فيه اللغة الألمانية كل مصطلحات العربية من ذهني المكدود هذا..
************************************
ومرت أيام.. ولم يبد في الأفق ما يبشر بقرب انتهاء الحصار وبرغم أن البلدية هنا أكدت مرارا أن الحصار لن يطول أكثر من أسبوع كانت للطبيعة كالعادة الكلمة الأعلى.. وعرفنا أن كاسحات الجليد تعمل كلها دون انقطاع عند أطراف بازل.. على أن العتاد والمؤن كانت تصلنا بانتظام كما كانت مفاجأة سارة لقارئي الألمانية حين وصلت الصحف والمجلات المتأخرة وتم إرسال أربعة صناديق كبيرة ملآى بالخطابات إلى بازل ليتم توزيعها من هناك.. وكنت طوال هذه الفترة مقيما في دار البروفسور شوندر حيث نشأ مع أبويه وقد خصص لي حجرة أنا وذلك السخيف رايتمان أما سكرتيرته مارتا فكانت تبيت مع الأم في حجرة واحدة.. وأقام الأب مع ابنه شوندر في حجرة أخرى.. كان البيت مشيدا أكثره من الأخشاب كبيوت الفلاحين في الجبال.. وكان دافئا من الداخل إلى حد لا يصدق حتى أنك لتجد نفسك سابحا في بركة ماء أحدثها الجليد المتراكم على كتفيك وأرنبة أنفك وحاجبيك بمجرد أن تخطو إلى داخل البيت المريح النظيف إلى درجة غير عادية.. وفي الفراش ترقد تحت غطاء من الفراء تتأمل العروق الخشبية في السقف أو تستمع للمذياع محاولا فهم حرف واحد مما يقال أو ترسم الخطط للتودد إلى مارتا الحسناء غدا أو تحاول تعلم المزيد من الألمانية حتى يأتي النوم فلا تدري كيف.. وغدا حتما يوما آخر.. الحق أقول لكم: لم أكن أهتم لحظة بهذه الأحداث الجارية بالقرية فمشاكل الشاب السويسري هي آخر ما يعنيني أنا الملئ بالمخاوف على وطني وأهلي وأصدقائي.. والغارق في الأحزان الخاصة بخصوص أمي وخصوصي.. هل سمع أحد عن مشكلة للشباب السويسري؟.. لقد حلت هذه الشعوب مشاكلها منذ أعوام فلم تبق أمامها مشاكل سوى قضية الانتحار وعبثية الوجود.. إنهم مترفون إلى حد حرمهم من شفقتي إلى الأبد.. ونظرت ليميني وأنا راقد في الفراش.. بغل أتأمل الجسد الضخم لد.رايتمان متدثرا في أغطيته محاولا أن ينام برغم ضوء الأباجورة القادم من ناحيتي.. لقد كان تباين مواعيد نومنا سبب خلافات لا تنتهي بيني وبينه بالإضافة لثقل ظله الطبيعي وغروره وحذلقته.. إنه من نوع الأرواح المغلقة التي لا تستطيع الوصول إليها مهما حاولت من ود أو رقة أو مجاملة.. أذكر أنه لامني مرة على استخدام كلمة سويسرا عند الحديث عن وطنه فسألته عن السبب في حنق..
=يا سلام.. وماذا أسميها إذن؟..
- سمها هلفتيا.. هلفتيا كما يناديها أبناؤها.. أنتم تخترعون أسماء بلا أساس وتعتبرون أنفسكم عباقرة..
=هذا شئ رائع وأعدك بذلك بشدة إذا كففتم عن تسمية مصر بإجيبتن برغم أن كل أبنائها يسمونها مصر وإذا كففتم عن تسمية سوومي باسم فنلندا..
كانت هذه هي خاتمة المحادثة لكنها تركت في نفسه كراهية شديدة لي حتى أنني أدركت أن أفضل خدمة أؤديها له هي أن أموت.. الأدهى هو أنني لا أعرف عمله بالضبط.. فقد كان معنا في المؤتمر لكنه لم يقدم أبحاثا ولم يناقش ولم يعطني أي إيحاء بأنه طبيب.. إن أي سباك يحترم نفسه كان سيقدم آراء مثمرة أكثر مما قدمه هذا الرايتمان.. لكن البروفسور شوندر يحبه ويصحبه معه في كل مكان بل وإنه يرغمني على مقاسمته الحجرة.. إن الأمر لم ينته هنا.. بل إن رايتمان هستيري يعاني الخوف من المرض.. لهذا يظهر الاشمئزاز من جواربي بطريقة مهينة للغاية ويخفي منشفته بعيدا عني كأني أجرؤ على استعمالها.. ولا يكف عن الارتجاف كلما عطست أمامه.. بل إنه حرم علي التدخين في الغرفة تحريما باتا.. هذا من حقه ولكن أين أدخن إذن؟..
كانت هذه الخواطر تجوب ذهني وأنا أرمق جسده النائم في كراهية.. أذنيه الكبيرتين وأنفه المعقوف الذي يذكرني بصورة مرضى الزهري في كتاب هتشنسون.. وشعره.. شعره الأشقر الشبيه بـ.. غريب هذا.. هناك بقعة خالية من الشعر في مؤخرة رأسه.. بقعة مستديرة تماما أراها بوضوح حيث أدار وجهه للحائط بعيدا عني.. لا أذكر أنه كان يملك أجزاء صلعاء في رأسه.. وفي اليومين الماضيين كان يرتدي قلنسوة صوفية طيلة اليوم فلم أستطع رؤية شعره.. متى وكيف ظهرت هذه البقعة؟.. هذا غريب لكنه لن يحرمني من نوم هادئ حتى الصباح.. لن أثير ضجة بسبب بقعة صغيرة صلعاء بينما رأسي كله أصلع كبطن ضفدعة..
*********************************
وكيف كان لي أن أعرف أنه في تلك الليلة بينما أنا غاف كمومياء حتب حرس ناعم البال كان هناك شئ مروع يجري عند أطراف القرية.. بالتحديد في الغابة المظلمة الباردة ما بين أشجار اللارك؟.. كانت ساندي قد ضربت موعدا لكارل هناك.. كلاهما شاب جميل ملئ بالحيوية.. الغد ينتظره والآمال تجري في دمه ويحب الآخر إلى درجة الوله.. المشكلة التي تضايق كارل هي التغير الذي طرأ على ساندي.. هو يعلم جيدا أن المرأة لها مزاج شبيه بالبحر.. تارة يتقلب وتارة يهدأ دونما سبب ويعلم أن المرأة تتألم من أشياء لا يجد الرجل فيها أي أذى.. إن المرأة تجد في نسيان عيد ميلادها ما يجده الرجل في صفعة على قفاه.. بل هي تعبر هذا النسيان إهانة أشد وطأة.. لكن ساندي كانت تتحسن وتعود لصوابها في كل مرة.. دائما تعود لصوابها إلا في هذه المرة.. لماذا تصر على الابتعاد عنه ولماذا تفر منه؟.. ولماذا تعقص الشعر عند مؤخرة رأسها بهذا الأسلوب العجيب؟.. ولماذا تفقد وزنها باستمرار؟.. عاش فترة طويلة أشبه شئ بقطعة خشب عائمة فوق بحر متقلب.. الأمل فالقنوط.. الحبور فالوجد.. انتظار الغد فالفزع منه.. إنهن يجدن هذه التسلية تماما.. ثم جاءت تدعوه للقائها في الغابة هذا المساء.. كاد يجن فرحا.. تعطر.. ارتدى أكثر ثيابه أناقة وسمكا كذلك ثم أسرع إلى هناك فوق الثلوج متسائلا في سره عن السبب الذي يدعوها لاختيار هذا المكان البارد الموحش للقاء.. نعم هي تريد خلوة ولكن الغابة في هذه الساعة.. إن في هذا شيئا من المبالغة.. كانت هناك بانتظاره.. البخار يتصاعد من فمها فيتجمد على خصلات شعرها وفي عينيها رأى مستقبلا رائعا إلى حد أنه مفزع.. وهنا سمع اسمه.. اسمه يتردد بصوت خفيض أقرب للفحيح من عدة حناجر:
- ك..ا..ر..ل..
نظر مجفلا فرأى في الظلام حوالي عشرة أشخاص يقفون في شبه دائرة حولهما.. وكانت ساندي ترمقه طيلة الوقت وفي عينيها دعوة صامتة له كي يشرب.. يشرب من الزجاجة الصغيرة التي أخرجتها من ثيابها وقربتها من فمه وهي تهمس دون أن تغمض عينيها لحظة:
- هيا يا كارل.. كن واحدا منا.. نحن الغرباء..
ارتجفت شفتاه ولا شعوريا تراجع للوراء خطوة..
- أي غرباء؟..
- أبناء النيزك..
وبدأ الفحيح يتعالى من الحناجر كنوع من الهتاف المنظم.. شيئا فشيئا يتعالى بأسلوب كريشندو الموسيقي:
- كارل.. كارل..
- ماذا تعنون؟.. هل جننتم جميعا؟..
- كارل.. كارل..
واصل التراجع للوراء وهو يردد دون كلل:
- هل جننتم؟..
- كارل.. كارل..
- أنت يا فرانتز.. وأنت يا دانييل.. ماذا دهاكم؟..
- كارل.. كارل..
وازداد الأمر سوءا حين تقدمت إحدى الفتيات منه ناعسة هائمة وشرعت تتراقص حوله ببطء رائحة غادية.. كأنها رقصة إغريقية قديمة أو شئ من هذا القبيل.. شعر بإرادته تتخلى عنه وجفونه تزداد ثقلا.. كلا.. هذا لن يكون.. إن هؤلاء الأوغاد.. تراجع للوراء أكثر فأكثر.. لكنه نسي أن الجليد زلق وأن سطحه غير منتظم.. وأن حذاءه غير معد لذلك و..
***********************************
كذلك كيف كان لي أن أعرف حيث نمت كرجل من روديسيا لدغته مستعمرة من ذباب تسي تسي أن مساعد الشرطة شنايدر صحا على جلبة قادمة من الزنزانة التي حبس فيها الفتى هاينز والتي تقع على بعد ثلاثة أمتار من الغرفة التي نام فيها المساعد؟.. نهض هذا الأخير ليرى سر هذه الضوضاء عازما على تهشيم رأس الفتى لكن ما رآه جعله يعدل عن هذا تماما.. لقد وجد الفتى متشبثا بقضبان الزنزانة وقد تسلق عليها إلى أعلى مستوى ممكن حتى كاد يلمس السقف.. وكان ينظر لأعلى في هيام وافتتان مروعين ومن فمه تخرج عبارات معينة بلغة غير معروفة يكررها بلا انقطاع.. الحق يقال كان مشهدا مروعا ورهيبا لدرجة أن المساعد لم يجرؤ على اتخاذ رد فعل إيجابي باللوم أو التهديد أو التساؤل.. لا شئ على الإطلاق.. بل هو لم يتلفظ بحرف واحد.. فقط تراجع مرتجفا إلى غرفته وأغلق بابها بإحكام.. إن ما رآه هو نوع من المس الشيطاني.. لا يوجد تفسير آخر لهذا الذي رآه.. فلتمر هذه الليلة بأي شكل فلا يوجد حل آخر.. جلس يتصفح مجلات جيجنفارت التي وجدها عن الفتاة القتيلة إنريكه ليزجي الساعات الباقية على الفجر.. وبعصبية قرب المدفأة الكهربية من قدميه المتجمدتين.. قال لنفسه إن هذه المجلات الشبابية كلام فارغ تشبه الساندوتشات الثقافية السريعة التي ترضي كل الأذواق وهو كان معتدا على الوجبات الثقافية الدسمة ولا يهوى أسلوب التيك أواي هذا.. ثم إن حرص هذه المجلات على إغراء الجميع جعلها خليطا متنافرا من السياسة والحب والرياضة والسينما والجريمة.. كأنها طبق من اللحم والعسل والكاتشب والبصل.. وهنا لاحظ في ركن طبيبك شكوى أحد القراء من موندهاوزه يتحدث عن غرابة أطوار صديقه.. وفي ذات الصفحة شكوى لقارئة تتحدث عن جزء عار من الشعر في رأس أختها.. أمن هذا الوقت المبكر إذن؟.. يالها من مصادفة.. إن المفتش شبيرت سيكون فخورا به حين يرى هذه الصفحة.. انتزعها ووضعها على المكتب ثم عاد يطالع أعداد المجلة في اهتمام زائد بحثا عن صدف أخرى.. وكان أن وجد قصيدة بيتر شمارت السخيفة عن النيزك ثم وجد عددا تشكو فيه إنريكه إلى محررة باب جراح القلوب التغير الذي طرأ على خطيبها ونفوره منها بعد وفاة أخيه.. ياله من صيد ثمين.. إن مجلة جيجنفارت تافهة حقا لكنها تلقى رواجا لا بأس به بين شباب القرية.. وقد قدمت له معلومات لا بأس بها أنسته الرعب الذي عاشه منذ لحظات مع هذا الذئب المسعور هاينز..
*************************************
وكيف لي أن أعرف وأنا نائم كسلحفاة في ديسمبر أن د.رايتمان فتح عينيه.. أدار رأسه إلى اليسار وشرع يتأملني في ظلام الحجرة بضع دقائق مصغيا لصوت شخيري وحشرجة صدري الذي سد التبغ شعبه الهوائية.. وكيف لي أن أعرف أنه كان يفكر في شئ ما.. شئ يتعلق بي؟..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
19- أسطورة الغرباء - الفصل السادس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» 19- أسطورة الغرباء - الفصل الخامس
» 19- أسطورة الغرباء - الفصل السابع
» 19- أسطورة الغرباء - الفصل الثامن
» 19- أسطورة الغرباء - الفصل الأول
» 19- أسطورة الغرباء - الفصل الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: