كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 16- أسطورة النبات.. الفصل السادس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

16- أسطورة النبات.. الفصل السادس Empty
مُساهمةموضوع: 16- أسطورة النبات.. الفصل السادس   16- أسطورة النبات.. الفصل السادس Emptyالأحد فبراير 04, 2018 6:36 am

6- قريتي من جديد..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دوى رنين الهاتف الطويل المتقطع فهرعت لأرد لاهث الأنفاس واجف القلب حافي القدمين واثقا من المصيبة التي ستأتيني عبر سلوك هذا الجهاز المزعج.. سمعت صوت الطقطقة ثم الصفير ثم صوت رضا أخي يصيح:
- رفعت.. رفعت.. إن أمي..
ثم تلاشت حروفه في عواء كعواء الذئاب فأدركت أن البكاء غلبه.. ولم أحتج لكثير من الذكاء كي أعرف ما يريد قوله لكن واحدا كان يقف بجواره تناول منه السماعة ليقول لي بلهجة حازمة - لهجة الرجل الذي يعرف ما ينبغي عمله- ما كنت في غير حاجة لسماعه:
- د.رفعت؟..
=بالطبع -عليك اللعنة- وإلا فمن أنا؟؟..
- إن الحاجة أم رضا قد.. صبيحة اليوم.. نحاول من فترة.. الخطوط.. أنت رجل ناضج.. أخوتك..الجنازة..إلخ..إلخ..
كان الوغد قاسيا إلى حد لا يوصف.. تمهل قليلا أيها الشيطان.. فأنت لا تخبرني بنتائج مباريات كأس العالم.. بل أنت تخبرني بوفاة أمي.. ولكن لماذا لا أشعر بالأسى ولا الذعر المتوقعين؟.. لابد أن قلبي لم يصله الخبر من عقلي بعد بسبب رداءة التوصيل عبر الخطوط الهاتفية فويل لك يا قلبي البائس حين تعرف الحقيقة كاملة.. وهي أنك للمرة الأولى قد غدوت بلا أم.. نعم أنا رجل ناضج متعلم في منتصف العقد الخامس ولكن ما علاقة هذا بالحزن؟.. الحزن البارد الصارم الذي يحيل كل الناس أطفالا.. والرجل ما زال يتكلم..
*******************
رحمة بأعصاب القارئ سأقاوم رغبتي الشديدة في وصف كل ما حدث وكل ما قيل.. لأننا نقرأ كتابا اسمه أسطورة النبات وليس آلام رفعت.. ولا أحسب أن أحزاني تهم شخصا غيري.. إن هناك لذة شديدة في وصف الأوجاع لدى كل البشر.. يكفيك أن تجلس جوار أي رجل في الحافلة كي يبدأ في وصف صداع رأسه ومشاكله مع التبرز وآلام النقرس في إصبع قدمه اليمنى.. إنها غريزة كاسحة لكني لأجلكم سأقاومها.. فقط تذكروا أنني فقدت أمي عام 1968حين كنت أنا في الرابعة والأربعين..
**********************
مرت أيام طوال عليّ في كفر بدر.. أقابل عشرات الوجوه.. وأصافح مئات الأيدي وأرى اللون الأسود في كل مكان.. وأزجر رئيفة ونجاة لأمنعهما من النواح مائة مرة في اليوم.. إن تلك الأخيرة لا تشعر بذرة حزن لكنها قواعد المجاملة الصارمة في الريف التي تحتم على النساء إطلاق بعض الصرخات من حين لآخر وإلا اعتبرن قليلات الأصل وفي تلك الظروف لا أدري لماذا ولا كيف تذكرت عماد.. وتساءلت عما يفعله في هذه الآونة مع نباته.. ثم أنني أقصيت الخاطر بعيدا إذ بدا لي غير ملائم على الإطلاق..
*******************
كعادتي كنت أتذكر الأسماء بصعوبة خارج دائرة أسرتي وكان طلعت يقدم لي عشرات الأشخاص طيلة الوقت بأسلوب يوحي بأنني أعرفهم وصريع في غرامهم.. وأنا لا أذكر أنني رأيتهم أصلا.. اليوم قدم لي الحاج فوزي وولده صالح المفترض أنهما جيراننا من زمن من ثم صافحتهما في حرارة وشكرتهما على مشاركتهما في مأساتي وجلسنا نحسو القهوة ونصغي لآيات القرآن الكريم حين قال الحاج فوزي:
- أمس قابلناك يا د.رفعت في الحقل الشرقي.. ناديناك لكنك لم تصغ إلينا.. لعلك لم ترنا قط..
=معذرة ولكن لابد أن هناك خطأ..
- لا خطأ هنالك.. كان ذلك في العاشرة مساء..
قلت في شئ من نفاد الصبر:
=أنا لم أغادر الدار مساء أمس لحظة واحدة..
تبادل الحاج وولده نظرات معناها بما لا يقبل الشك أنني أكذب لسبب لا يدريانه.. وأن من الحكمة عدم الإصرار على ما قالاه.. فأشعل الحاج سيجارة وغمغم:
- يجوز..إن العين تخطئ..
أما أنا فلم أعط اهتماما كبيرا لهذه النقطة خاصة وأنني واثق تماما في أنني لم أفعل فلست مسئولا عن أوهام هذا الحاج البصرية وولده.. لكنني بدأت أشعر بالقلق في تلك الليلة حين خرجت مع طلعت إلى الحقل الشرقي ليريني المزروعات الجديدة التي استحدثها ويحاول إنجاحها ذلك الموضوع الذي ظن أنه سيرفه عني قليلا رغم أنه لا يعنيني على الإطلاق.. وهنا توقف في حيرة وجثا على ركبتيه ليتفحص شيئا وجده على الأرض وقال:
- ما هذا..؟
ومد يده ينتزع نباتا وجده بين سيقان النباتات الأخرى وأعطاه لي لأتأمله وقال:
- هذا نبات شيطاني لم أره من قبل.. غريب!.. أقسم أنه لم يكن هنا البارحة..
أما أنا فما إن أمسكت النبات بين أناملي حتى توترت.. مددت يدي إلى جيب السترة بحثا عن النظارة ووضعتها على أنفي.. نعم أنت ترى مثلي تلك الأوراق السوداء ذات الحواف الدامية المجللة بالأشواك.. أنت مثلي تقشعر من الملمس الكريه.. وأنت مثلي لم تنس هذا النبات رغم طول المدة.. إنه هو.. هو الموكاسا نيجرا بعينه ولا شك في ذلك.. أما كيف جاء هنا.. وكيف نما بهذه السرعة؟.. فكلها أسئلة بلا إجابة ولا أتوقع لها إجابة.. المهم أنني وطلعت شرعنا ننتزع هذه الأوراق الشنيعة من جذورها وكدنا نكتفي بذلك لولا أنني طلبت منه رجاء حارا أن يساعدني على حرقها.. ولم أفسر له طبعا سبب حماستي.. وبالعقل سكبنا بعض الكيروسين فوقها وأشعلنا عود ثقاب وجلسنا في ظلام الليل نتأمل الوهج المتراقص زائغي الأعين.. وما إن انتهى الوهج حتى مد طلعت يده وسط الرماد والتقط بحذر شيئا ما بين إبهامه والسبابة:
- يالغرابة هذه البذور!..
قالها وناولها لي فتأملتها في كفي.. كانت ذهبية اللون خشنة الملمس أقرب إلى حبوب البازلاء لكنها خشنة كما قلت ممتلئة بالبثور وكانت صلبة إلى حد لا يصدق.. حتى حين ضغطت على واحدة منها بين أسناني لم أجد أدنى استجابة منها.. لن يدهشني أن تقاوم هذه البذور لهيب النيران..
- إذن كيف نتخلص منها؟..
=سنلفها في شريحة من القصدير وندفنها بعيدا..
نهض طلعت يبحث عن قصدير في حين أخذت أحفر الأرض في موضع جذور النبات مدفوعا بخاطر مفاجئ داهمني.. وسمعت صوته الغليظ يتساءل من وراء ظهري:
- عم تبحث يا دكتور؟..
=عن.. ها هي ذي.. لقد وجدت ما أريده..
اقترب ليرى ما هنالك على ضوء القمر وتساءل في حيرة:
- غريب..من فعل هذا؟..
=فعلها من زرع الحبوب..
- يدفن جثة قطة؟..ياله من عمل غريب..
=إنه يعرف ما ينبغي عمله.. هذا هو كل شئ..
- تعال يا دكتور لنعد للدار.. لقد تشاءمت من هذا الذي رأيناه وإن كنت لا أرى لذلك سببا..
نفذت ما طلبه في صمت بعد أن تخلصنا من البذور ولم أصارحه أنني أنا الآخر قد تشاءمت وأنا الآخر لا أرى لذلك سببا.. عدت إلى غرفتي بالطابق العلوي وقد جاوزت الساعة منتصف الليل.. ذات الفراش المتهدم الذي ظللت مصلوبا عليه أسبوعين يوم نادتني النداهة.. الفارق الوحيد هنا هو أن أمي لن تحضر لي العشاء وتلومني على إجهاد عيني بالقراءة أو عدم الزواج أو..أو.. خلعت ثيابي واخترت جلبابا أبيض مريحا لأنام فيه وهنا استرعت انتباهي أجسام غريبة صلبة في جيب قميصي العلوي فمددت يدي أتفحصها.. كانت بذورا.. بل بذورا ذهبية اللون.. وللمزيد من الدقة بذور نبات الموكاسا نيجرا.. من أين جاءت هذه الأشياء؟.. قد يقول قائل إنها البذور التي وجدتها وطلعت في الحقل هذا المساء.. لكن لا.. لقد وجدنا اثنتين وعشرين بذرة تأكدنا بعناية من دفنها بعد تغليفها في غلاف يمنعها من الإنبات فلا يمكن أن تكون هي.. لقد كنت أرتدي هذا القميص حين جئت القرية وكنت أرتديه حين زرت عماد في المرة الأخيرة (أعرف أن ياقتي اتسخت لكني لا أعبأ بهذه التفاهات).. معنى هذا أن هذه البذور جاءت معي حين جئت للقرية..
*********************
أمس قابلناك يا د.رفعت في الحقل الشرقي.. ناديناك لكنك لم تصغ إلينا.. لعلك لم ترنا قط..
********************
هل هما على حق؟..
لو كانا على حق فإن هذا له معنى واحد..
أنني أنا من بذر البذور في الحقل الشرقي مسلوب الإرادة منوما مغناطيسيا..
وبالتأكيد أنا من دفن القطة ليوفر النيتروجين اللازم للبذور..
ومن يدري؟..
ربما أنا من قتلها كذلك!..
ولكن كيف؟..
ولماذا؟..
القشعريرة من المجهول - تلك القشعريرة السرمدية- تتسلق عمودي الفقري وعدم الفهم الممتزج بالغباء يطل من عيني..
لماذا فعلت ذلك؟..
وأية قوى مجنونة حركتني؟..
هذه المرة ارتديت الجلباب الأبيض وهرعت خارجا من الدار قاصدا الحقل الشرقي بحثا عن آثار تدلني على أنني من بذر البذور..
وفي الظلام غير الدامس حيث كان القمر مكتملا رأيته منحنيا على الأرض يحفرها بأظافره في لهقة وعيناه زائغتان..
دنوت منه في حرص..
ووقفت أمامه بضع ثوان فلم يلحظ وجودي..
كان هذا هو طلعت..
لقد عاد إلى الحقل خلسة ليسترد البذور التي دفنها بنفسه منذ ساعة!!..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
16- أسطورة النبات.. الفصل السادس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» 16- أسطورة النبات.. الفصل الأول
» 16- أسطورة النبات.. الفصل الثاني
» 16- أسطورة النبات.. الفصل الثالث
» 16- أسطورة النبات.. الفصل الرابع
» 16- أسطورة النبات.. الفصل الخامس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: