كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 16- أسطورة النبات.. الفصل الأول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

16- أسطورة النبات.. الفصل الأول Empty
مُساهمةموضوع: 16- أسطورة النبات.. الفصل الأول   16- أسطورة النبات.. الفصل الأول Emptyالأحد فبراير 04, 2018 6:32 am

1- الموهوب..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أبدا لن يكف عماد صبحي عن إثارة دهشتي.. وحين أسترجع شريط ذكرياتي أجد وجهه في لقطات عديدة.. دائما تحوطه هالة من الإعجاب والانبهار.. ما الذي كان ينقص هذا الفتى كي يكون سعيدا؟.. كان وسيما.. وسيما كصور الأبطال الإغريق التي ترسمها الأساطير فارع القامة أميل للسمرة.. تتطاير خصلات شعره فاحم السواد لتداعب جبينه الوضاء في افتتان.. وكان قويا كالمصارعين الرومان.. وكان أنيقا كواحد من الموديلات المجسمة التي نراها في نوافذ المحلات.. وبالتالي كان يناسبه كل شئ وكل زي كأنما خلق له.. دعابته حاضرة كأفضل ما يكون.. ولسانه - الشبيه بالسوط - يبرز ليلسع كل ما لا يروق له أو يراه سخيفا.. والمعجزة هنا هي أنك تنفجر ضاحكا معه حتى ولو كان يتهكم عليك لأن أصالة دعاباته وطرافتها كانت تذيب حاجز الكبرياء الشخصية فترى نفسك مجردا كما خلقك الله.. وتدرك مدى سخفك أو غبائك.. لقد كان طرازا نادرا من البشر.. عازف كمان من الطراز الأول.. وقارئ كتب من الطراز الأول أو كما قال:
- أنا قارئ محترف.. ولابد أن أحد أجدادي كان عثة كتب..
وكان على قدر لا بأس به من الثراء.. الثراء الذي لا يثير حسدا ولا ضغينة لدى زملائه المعدمين من أمثالنا.. وكان كريما كالأمطار حتى أنني أسائل نفسي عن تصرفه لو أنني طلبت عينيه بشئ من الإلحاح.. كان هذا هو عماد صبحي.. فهل لديك سبب يفسر ألا يكون هذا الكائن الأسطوري سعيدا؟.. عرفته في السنة الأولى لي في الجامعة.. وكنت أنا أدرس الطب.. وكان هو يدرس العلوم البيولوجية.. وبالتالي كان لقاؤنا الأول في أحد معامل البيولوجي غارقين في التعاسة محاولين العثور على الوريد البوابي لضفدعة مصلوبة في طبق شمعي.. وكانت الدماء تتسرب من مكان ما لتنتشر فوق سطح الماء فتستحيل الرؤية.. قال لي في قنوط متأملا المشهد:
- لا جدوى.. جراحة فاشلة.. لقد ماتت المرحومة بعد ما ثقبنا الأورطى..
ثم وضع المبضع ونهض هاتفا:
- سأدعوك إلى ضفدعة أخرى على حسابي.. ولكن لنكن حذرين هذه المرة..
وبعد دقائق عاد بضفدعة مكتنزة اشتراها.. وبدأ يحاول تخديرها بالكحول ثم ثبتها بالدبابيس في الطبق إلى جوار جثة المرحومة السابقة.. وقال:
- عماد صبحي.. السنة الأولى بكلية العلوم..
=رفعت إسماعيل.. السنة الإعدادية بكلية الطب..
- قاهري؟..
=بل من الشرقية أساسا.. ثم أنني نزحت إلى المنصورة وأعيش هنالك..
ثم ابتسمت في حرج وأردفت:
=إنني قروي ساذج إذا كان يناسبك هذا النوع من التعبيرات..
- كلنا ذلك الرجل..
وبدأ في صبر يقص عضلات البطن بطرف المقص.. كان دقيقا في عمله وكأنه جراح محترف.. وبثقة ربط الوريد البوابي بقطعتي خيط ثم أدخل يد المبضع تحته ليغدو واضحا.. وأردف:
- هو ذا الوريد.. والآن..
ثم اكفهر وجهه وهو يرمق البقعة الحمراء التي بدأت تنتشر فوق سطح الماء قادمة من أسفل الطبق كبقعة زيت قادمة من خط أنابيب نفط دمره طوربيد.. وأدركنا أننا فشلنا.. فتبادلنا الابتسامات الساخرة.. وتركنا مسرح الجريمة عالمين أننا على الأقل غدونا صديقين..
****************************
وتوطدت العلاقة بيننا.. عرفت كل شئ عن أصدقائه.. أسرته.. هواياته.. وعرفت أنه إنسان نادر.. لا يوجد إنسان بلا عيوب.. لكن عيوب عماد كانت خافية عن عيني أو هي خافتة جدا.. تجادلنا كثيرا في السياسة والأدب.. وعما إذا كان العقاد مغرورا أم عبقريا.. وما إذا كان الإنجليز سيرحلون عنوة أو طواعية.. وما إذا كانت فاتن هي أجمل فتاة رأيناها أم هي فقط واحدة من أجملهن.. ولما كنا قد نشأنا في بيئات منغلقة فإننا حاولنا أن نركب عواطفنا على أول فتاة تصلح لأن نحبها دون اقتناع حقيقي من جانبنا ودون أدنى تشجيع من جانبها..
وطفقنا نقرض الشعر - كالفئران - ونكتب مئات القصائد عن كيف تضحك فاتن وكيف تمشي وكيف تجلس وكيف تأكل ساندوتشات الطعمية الساخنة.. وفي صباح اليوم التالي نلتقي أنا وهو ونتبادل قراءة القصائد.. تلك القراءة التي ندرك بعدها أننا خُلقنا للعلم وليس للأدب.. ونمزق ما كتبناه ونضحك!.. أواه من لذعة الذكريات الحبيبة.. كانت فاتن زميلتي في الكلية.. وكان عدد الفتيات محدودا في دفعتي.. وكان عماد يجئ ليتبادل معي الآراء المتمردة.. فكان يراها ولم أحاول منعه من المجئ لأن حبي لها كان باهتا يحتاج إلى صراع.. إلى تبادل آراء مع شخص آخر يعاني ذات الألم.. وكان عماد مناسبا لأن يكون هذا الشخص.. معه بدأ هذا الحب يتخذ طولا وعرضا وارتفاعا وأضفى عليه عنصر المنافسة كل ما يلزم كي يصير حبا حقيقيا كالذي نسمع عنه..
******************************
وفي مكتبة الكلية وقفت أنا وهو نقلب مجموعة من الكتب الثقافية بحثا عن شئ نقرأه.. وكان هو يردد في عصبية:
- كتب.. كتب.. كتب.. متى وجدوا الوقت ليكتبوا كل هذا إذا كان القارئ لا يجد وقتا ليقرأ كل هذا؟..
وفجأة لكزته بكوعي منبها.. كانت فاتن وإحدى صديقاتها واقفتين تقلبان صفحات كتاب سميك على بعد بضعة أمتار منا.. همس لي في حزم وهو يعيد الكتاب إلى الرف:
- اتبعني..
وتقدم نحوهما في حين سرت خلفه محاولا منع نفسي من الفرار كالأرانب.. ووقف أمام فاتن عاقدا ذراعيه على صدره..وقال في ثقة:
- أيا ما كان موضوع هذا الكتاب فأنا مستعد لمناقشته معكما فورا!..
تبادلت هي وصديقتها نظرة حيرى ثم رفعت الكتاب لترينا غلافه.. وكان مجموعة أشعار ابن الفارض.. فتنهد عماد وبدأ يثرثر عن قيمة الشعر في حياتنا وهل التراث أهم أم التجديد.. لاحظت في هلع أنه لم يعد لي أي دور في هذه المحادثة وأن الفتاتين قد رفعتا رأسيهما ليصلا لمستوى هذا العملاق.. تنحنحت.. قلت ملحوظة ما ثلاث مرات لكن أحدا لم يصغ لي.. ونظرت إلى عماد فوجدته وسيما.. وسيما إلى حد لا يُصدق.. إلى حد يثير الغيظ.. أما أنا فكنت نحيلا كالقلم الرصاص هزيلا كالعنكبوت فقيرا كابن دانيال.. وكان الصلع يتحسس مقدمة رأسي في حذر.. قررت أن أنسحب.. ألقيت كلمة اعتذار مهذبة لكن أحدا لم يهتم بالرد عليها.. لقد عرفت فتيات كثيرات بعد ذلك وتعلمت أنني من الممكن أن أكون محبوبا وأن تنبهر بي إحداهن لكن مرارة هذا الموقف ستظل في حلقي بعد خمسين عاما تقريبا وسأحملها معي إلى القبر.. وفي اليوم التالي قابلت عماد.. وكما هو متوقع لم أستطع أن أخفي نوعا من الفتور تجاهه باعتباره ذلك الذي نال كل شئ في الحياة دون أدنى جهد من جانبه.. سألني في مرح وهو يناولني سيجارة (كان هذا العام هو الذي بدأت فيه التدخين):
- لماذا انصرفت بهذا الأسلوب أمس؟..
=لأنني لا أحب (ابن الفارض)..
- على كل حال لم يفتك الكثير.. لقد كانت فاتن هذه تافهة كالخنفسة وهي عاجزة حتى عن فهم لماذا تحب الشعر.. إنها تقرأ الشعر لأن الفتيات الحالمات جميعهن يقرأن الشعر..
ثم سألني في حذر:
- اسمعني يا رفعت.. هل سبب ضيقك هو ما أظنه؟..
=أنا لا أعرف ما تظنه..
- إذن.. أصغ لي.. إن الرجل الذي يتخلى عن صديقه من أجل امرأة ليس رجلا.. فالصداقة خالدة وثمينة جدا ومن القسوة أن نخدشها بهذه الترهات.. ثم إنني لا أهتم بها شعرة وأقسم على هذا.. إنها حالة من التقمص حاولت وضع نفسي فيها وفشلت..
=إذن.. بم تهتم؟!..
نظر في شرود إلى بعيد.. عيناه ترحلان إلى عوالم أخرى لا أراها.. وهمس:
- لا أدري بالضبط.. إنني ظامئ إلى شئ لا أدري عنه شيئا!.. أريد أن أعرف أكثر وأن أصل إلى الحقيقة.. صدقني يا رفعت.. لست سعيدا على الإطلاق رغم كل التدليل الذي تمنحني إياه الحياة.. لا يمكن لإنسان أن يحظى بالسعادة مع روح قلقة متمردة كالتي أملكها..
كانت هذه هي أهم عبارة قالها لي في حياته.. وعلى ضوئها أمكنني تفسير كل ما حدث فيما بعد ولهذا السبب أذكرها وأذكر النبرة التي قالها بعد كل هذه الأعوام.. وهنا قطع حديثنا صوت أنثوي مرح يهتف:
- لقد قرأت الكتاب الذي طلبت مني قراءته أمس..
كانت هذه فاتن وقد تغلبت على تحفظها الطبيعي لتأتي إلى حيث جلسنا ملوحة بكتاب ما في وجه عماد وكأنها تريد استكمال محادثة الأمس.. نظر لي عماد نظرة ذات معنى وألقى سيجارته بعيدا.. ونهض متثاقلا ليسير معها يتحدثان عن هذا الكتاب.. للمرة الأولى أدركت أنه يمثل دورا اجتماعيا لا يريده لمجرد أن يرضيها.. لسان حاله يقول: تذكر.. إنها حالة من التقمص.. لا أكثر.. ومرت أعوام الدراسة.. وتخرج هو قبلي بطبيعة الحال وتم تعيينه في قسم النبات بالكلية أما أنا فكانت ثلاثة أعوام قاسية تنتظرني مع سنة تدريب وسنة عمل بالريف قبل أن أغدو طبيبا مقيما للأمراض الباطنية بكلية الطب جامعة (....).. لم تمت صداقتنا.. لكنها خبت كالنيران في قطعة من الفحم.. ذهب وهجها لكنها ما زالت هناك تمنح الدفء والضوء إلى حد ما ولا ينقصها سوى بعض أنسام الهواء كي تُبعث ثانية.. كان متميزا في مجال تخصصه.. عرفت هذا وسمعت عنه الكثير من زملائه وطلبته.. ثم رشحته الدولة لنيل درجة الدكتوراة من إنجلترا فسافر إلى هناك بضعة أعوام وعاد إلى وطنه دكتورا في علم النبات.. لكني لم ألقه منذ عودته لانشغالي في درجة ماجستير أمراض الدم.. كنا شابين ناجحين.. وكان المستقبل ينتظرنا.. وكل شئ يبشر بغد باسم مزدهر بالسعادة.. لكن الأمور لا تؤخذ بهذه البساطة.. ولو أنك دنوت من لوحة زيتية جميلة لرأيت شقوق الزيت وتجعدات القماش.. القبح الذي لا تراه حين تبتعد عن اللوحة.. كذلك البشر.. لو أنك سمعت عنهم من بعيد لسمعت أشياء رائعة.. ولتمنيت لو أنك كنت أحدهم.. أما لو دنوت منهم فسترى عجبا.. متى دنوت من عماد لأرى شقوق الزيت على وجهه؟.. كان ذلك عام1955ولهذا قصة عجيبة سأحكيها في الفصل القادم..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
16- أسطورة النبات.. الفصل الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» 16- أسطورة النبات.. الفصل الخامس
» 16- أسطورة النبات.. الفصل السادس
» 16- أسطورة النبات.. الفصل السابع
» 16- أسطورة النبات.. الفصل الثامن
» 16- أسطورة النبات.. الفصل التاسع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: