3- سجينة..
ـــــــــــــــــــــــــ
بعد عودتنا من المخفر حيث أبلغنا عن سرقة الحقيبة التي تحوي بعض المال و.. آلة ترجمة متطورة كانت سلمى في حال سيئة للغاية ولم تنبس ببنت شفة طيلة الطريق.. لقد غدت حبيسة عالمنا إلى الأبد.. وبرغم تشابه الكوكبين فإنني أفهم شعورها تماما.. أما ما كان يقلقني حقا فهو ذلك الاحتمال الضعيف.. لو عثروا على الحقيبة وفتحوها.. فما هو تفسيري للعملات النقدية الغريبة والجهاز المريب الموجود بها؟!.. قالت سلمى في غل من بين أسنانها:
- هأنا ذي حبيسة كوكبك اللعين.. أبدا لن أرى أرضي ولا صديقاتي ولا شارعي.. أبدا لن أرى أرضا سوى هذه.. والأسوأ هو أن أرضكم هذه غير صالحة للحياة أساسا..
قلت لها معتذرا بلا مبرر:
=آسف على أن كوكبي لا يناسبك.. لكن هناك احتمالا لا بأس به أن يجد رجال الشرطة حقيبتك..
ركلت قطعة الحجر على الأسفلت في عصبية حتى كادت تهشم أصابع قدميها وهتفت:
- وحتى ذلك الحين.. ماذا أفعل؟.. وأين أنام؟..
=من ناحية النوم لن تكون هناك مشكلة.. يمكنك أن تعودي للنوم عند جارتي..
- وأنام مع ابنتها السخيفة المملة التي تثرثر وتطري نفسها حتى الثانية صباحا؟..
=طبعا.. لا يوجد حل آخر.. المهم أن تقبل هي..
- اللعنة..
فكرت حينا ثم واتتني فكرة ما..
=سلمى.. هل أنت متزوجة؟..
- لا.. أنا عانس إذا كنتم تستعملون هذا اللفظ عندكم..
=نتزوج إذن..
اتسعت عيناها في ذهول فأخذت أبتسم في بلاهة.. لم لا؟.. سيكون هذا هو المخرج الوحيد لها على هذا الكوكب.. ثم تلك التجربة المثيرة أن يتزوج الرجل نسخته الأنثوية.. مهما توافقت طباع الزوجين فلابد من الاختلاف فالخلاف.. أما في هذه الحالة حين يتزوج الرجل نسخة كربونية منه فلن تحدث مشاكل.. مستحيل أن تحدث مشاكل.. امرأة تفكر مثلي وتحلم مثلي.. دعك بالطبع من الفكرة النرجسية العتيدة لدى كل رجل.. لو أنه وجد زوجة تشبهه في كل شئ فلربما كانت أقل مللا وإزعاجا.. صارحتها بخواطري.. فقالت بعد تفكير:
- لحظة يا سالم.. أنت تخلط ما بين تشابه الطباع وتآلف الطباع..
=لا أفهم..
- أردت أو لم ترد أنا أكبر منك سنا وأكثر حكمة.. دعني أقل لك إن تشابه الطباع لا يخلق زيجة ناجحة.. تآلفها هو الذي يفعل ذلك..
=لا أفهم..
- حسنا.. عندنا فيلسوف لا أدري إن كان عندكم مثله أم لا اسمه فيخته وهو ألماني.. يقول هذا الفيلسوف إن الزواج الأمثل هو الذي يتم بين رجل لا يحب صدر الدجاجة وامرأة لا تحب سوى صدر الدجاجة.. هل تفهمني؟.. لو أن كلا الزوجين يحبان صدر الدجاجة لغدت حياتهما جحيما..
=أنا أحب صدر الدجاجة..
- وأنا كذلك.. هل فهمت المشكلة؟.. إن طباعنا متماثلة..
=لكني سأتنازل لك عن كل صدور الدجاج في العالم لو غدوت زوجتي..
- على كل حال يمكن دائما تقسيم صدور الدجاجة إلى نصفين..
وقضينا طيلة اليوم نمشي في الطرقات نتجادل.. بذلت أقصى جهد ممكن كي أزيل فيلسوفها من رأسها..
- ولو رزقنا بطفل؟.. كيف سيكون؟.. إنه أول طفل في التاريخ يولد لأبوين متماثلين كروموسوميا.. كأننا أنتجناه بالانقسام الميتوزي كالأميبا.. ولا أريد أن يكون ابني أميبا..
=إنه سيفهمنا في كل شئ.. هذا هو كل شئ..
- سنندم يا سالم.. لكني سأوافق!..
أنشودة سالم..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هي جزء مني وأنا جزء منها..
إن لون عينينا واحد..
طول قامتنا واحد..
نحب نفس الألحان..
ونهوى ذات الأطعمة..
تدمع أعيننا حين نرفعها نحو الكون اللامتناهي..
فمن نجمة منه في مجرة ما..
جاءت هي ولم تحسب لحظة أنها ستكون لي..
إنها تفهم أفكاري قبل أن أشرحها..
وتضحك من دعاباتي قبل أن أقولها..
إنها لي..وأنا لها..
فلك الحمد يا خالق الكون السرمدي..
*********************
أنشودة سلمى..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اسمه يشابه اسمي..
إنني وحيدة في هذه المجرة بأسرها..
لكني أثق به..
لأنه مني وأنا له..
يحب نفس العطور..
يصغي لنفس الألحان..
يشاهد ذات البرامج..
يملك نفس سذاجتي.. وبراءتي.. وحماقتي..
إنه لي..وأنا له..
فلك الحمد يا خالق الكون السرمدي..
*********************
أنشودة سالم..
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمة أشياء تضايقني..
أشياء قليلة جدا..
إنها تقرأ الصحف قبلي..
تدخل الحمام في نفس اللحظة التي أفكر فيها أنا في دخوله..
تسبقني إلى مقعدي المفضل لأنه مقعدها المفضل..
إنها تفكر مثلي..
لهذا لن تدهش يوما لفكرة خطرت لي أو تضحك من دعابة..
إنها لا تغار عليّ..ولا تنبهر بي أبدا..
والأسوأ أنها تلتهم صدر الدجاجة قبلي!..
لست حزينا ولا حانقا..
لأنها لي وأنا لها..
فلك الحمد يا خالق الكون السرمدي..
*************************
أنشودة سلمى..
ــــــــــــــــــــــــــــ
هو يملك كل عيوبي ونقاط ضعفي ونفس النهم في الطعام..
إنها عيوبي أنا..أعرف هذا..
لكني كأنثى تمنيت منذ عرفت أنني أنثى أن يسبقني زوجي بخطوة..
مجرد خطوة..
حياتنا تتحول إلى تنازل مستمر من كل منا عن الأشياء التي يحبها حتى لا يتهم بالأنانية..
والشنيع أنه يلتهم صدر الدجاجة قبلي..
لست حزينة ولا محبطة..
لأني له..وهو لي..
فلك الحمد يا خالق الكون السرمدي..
**********************
أنشودة سالم وسلمى..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما كان خطأ فادحا أن تتزوج نسخة منك..
لأنه قد لا تحتمل الحياة مع نفسك...
لكننا سعيدان برغم كل شئ..
*******************
شرع المدير يتأمل الأوراق الأخيرة في شئ من الاهتمام.. ثم أشار لي بطرف السيجار المشتعل قائلا:
- لا بأس يا سالم.. إنها ليست فكرة سيئة.. أعترف بهذا..
ثم نظر لي في شرود:
-إلا أن هذه المحادثة الأخيرة بينهما.. تلك المحادثة حول صدر الدجاجة.. ألا ترى أنها متحذلقة نوعا؟!..
قلت في تواضع وأنا أحك طرف حذائي في البنطال:
=لكنها ضرورية يا سيدي..
- والقصيدة النثرية الأخيرة.. إنها تقتل التشويق قتلا..
قلت متوسلا:
=سيدي.. أعطني فرصة لأقول ما أريد قوله..
طوى الأوراق وناولها لي في فتور:
- حسنا.. دعني أر كيف ستتطور الأحداث.. والويل لك إذا لم تكن مسلية!!
الرئيسية 
