أعود بكم الآن إلى عام 1969.. تذكرون أنني منذ العدد الحادي والعشرين كففت عن إقحام نفسي في القصص مكتفيا بأن أحكي لكم كل خطاب مسل يصلني من أحد هواة الرعب أو ضحاياه في أرجاء العالم..
في العدد الثاني والعشرين حكيت لكم كابوسا يونانيا واجهه أحد العلماء اليونانيين في كريت.. لابد أن خوار المينوتور عبر طرقات اللابيرنث المظلمة ما زال يدوي في آذانكم..
في العدد الثالث والعشرين حكيت لكم عن رعب المستنقعات الاسكتلندي ومأساة أربعة أشخاص سجنتهم الثلوج في كوخ قديم تضربه العواصف.. وقد كانت لعزت جاري حكاية قصيرة لطيفة مع هذه المفكرة لكني لن أحكي لكم ما حدث هذه المرة.. ربما فيما بعد.. فأنا اليوم بصدد أسطورة جديدة تماما..
في العدد الرابع والعشرين أنتقي خطابا مسليا.. هو أقرب لكراسة صغيرة الحجم كتبت بإنجليزية جيدة.. كانت هذه الكراسة في مظروف لصقت عليه طوابع تمثل تمثال الحرية الأمريكي وجواره حرفا U.S.. استنتجت بذكائي المعهود أن هذا الخطاب من الولايات الأمريكية.. فلا يمكن أن يكون من فنلندا مثلا.. وجالسا في الصالة رحت أقلب الأوراق بحثا عن كلمات مشئومة مثل مصاصي الدماء أو مذءوب أو زومبي أو مومياء أو لعنة أو لقد دبت الحياة في الجثة فلم أجد لحسن الحظ.. هذا إذن خطاب خال من الرعب لكنه يحوي الغرابة.. غرابة مثل غرابة الكاهن الأخير وسالم وسلمى.. فالأمر إذن لا يستأهل قراءة المكتوب عند عزت.. يمكنني أن أقرؤه هنا في داري.. يبدأ الخطاب بداية ودية حقا:
"مانهاتن في 3/8/1969.. مركز بحوث المخ.. إيجور تاركوفسكي.. سيدي الفاضل:
تابعت بمزيد من شغف صولاتك وجولاتك في عالم الميتافيزيقا والآراء هنا في مانهاتن تتراوح بين مصدق ومكذب لك.. لكنك بالتأكيد تثير اهتماما لا بأس به والمرء يستطيع أن يرفض البروفسور إسماعيل أو يقبله لكنه حتما لن يستطيع تجاهله.. وأنا أرى يا سيدي الفاضل أن خير ما تستطيع عمله هو أن تغدو أنت نفسك مركزا لتجميع الخبرات الفائقة للطبيعة.. مرجعا يسترشد به الناس ويعرفون خبرات الآخرين.. لهذا قررت أن أكتب لك عن خبرتي في هذا الصدد.. ولا أبغي منك رأيا فالأمر أكبر من آراء العلماء مجتمعين.. بل أرجو أن تعيرني سمعك وأن تضع هذا الخطاب تحت إمرة أي مهتم بأمور ما وراء الطبيعة.. والآن وقد أطلت كلامي أرجو أن أبدأ في سرد قصتي وستكون شائقة وتروق لك.. لكنها تبدأ منذ أعوام طوال.. تبدأ في بولندا في أثناء الحرب العالمية الثانية..
الرئيسية 
