كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 13- أسطورة البيت - الفصل الثالث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

13- أسطورة البيت - الفصل الثالث Empty
مُساهمةموضوع: 13- أسطورة البيت - الفصل الثالث   13- أسطورة البيت - الفصل الثالث Emptyالجمعة فبراير 02, 2018 5:01 am

3- أسطورة البيت..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت قلقا في أثناء ذهابي للموعد المنشود.. فقد تركت المنصورة منذ أعوام عديدة بعد التحاقي بكلية الطب في القاهرة ووفاة خالي وبعد انتهاء واجب العزاء رحلت ولم أعد بعدها أبدا.. ذبت تماما في حياة القاهرة حتى أنني لم أحضر زفاف عبير ولا زفاف أخويها برغم أنني تلقيت الدعوة.. وبرغم أن مدحت زارني في داري أكثر من مرة.. لقد مزق رحيل خالي حبلا متينا كان يربط بيننا.. كأننا سفن تمزقت حبال مرساتها لتضيع في البحر الواسع ولا تعود للميناء أبدا.. فقط عرفت أن إلهام تزوجت وتعيش في مكان آخر بالمنصورة وأن أولاد خالي لم يروها منذ أعوام طويلة وعرفت كذلك أن كل شئ قد تبدل في المدينة عما كان في الثلاثينات السعيدة.. لهذا شعرت بالرهبة والقلق خشية ألا أعرف المكان.. وخشية ألا يعرفني المكان.. ودخلت مدخل البناية الأنيقة الظليل صاعدا إلى الطابق الثاني لأقرع الجرس وأتنحنح.. هو ذا الباب يفتح عن وجه وقور أشيب الشعر كث الشارب وخلفه لمحت امرأة بدينة بشعة المنظر تبتسم لي في مودة غير عادية..
=أنا..
فتعالى صوتها في مرح من خلف كتف زوجها:
- أنت لم تتغير يا دكتور رفعت!..
رحب بي الرجل في مودة وبيد ثابتة مليئة بالثقة وقال باعتداد:
- مهندس محمد أيوب.. مرحبا بك..
ثم دعاني للدخول.. كان الأثاث أنيقا والأرض مكسوة بسجاد فاخر.. وثمة رائحة عطرة في الجو توحي لي بأنهم قاموا برش مستحضر ما تحسبا لقدومي.. والواقع أنني فهمت أنهم استعدوا لزيارتي إلى حد كبير.. فالأناقة والنظافة العامة توحيان بأنهما غير معتادتين.. ومن المستحيل أن يظل الباركيه لامعا إلى الأبد في بيت يعيش به أسرة.. حتى إلهام بدا واضحا أنها تأنقت قدر استطاعتها وأجبرت زوجها على ارتداء بذلة أنيقة وبرغم هذا لم أستطع أن أخفي ما شعرت به من غم إزاء ما طرأ على جمالها القديم من تبدل.. هل حقا كبرنا إلى هذا الحد المفزع؟.. إذن كيف أبدو أنا.. أنا الذي لم يتهمه أحد بالجمال؟.. أنا أعرف أن الزمن قاس لكني لم أتصور مدى هذه القسوة.. وجلسنا نرشف الشاي وآكل قطع الجاتوه مرغما على حين أخذت تسألني عن أحوالي وعن السر في عدم زواجي (ذلك الموضوع المحبب لدى الناس جميعا ولا يبدو أن عندهم غيره) ثم عن ميعاد زواجي بعد أن لمحت خاتم الخطبة في خنصري الأيمن.. دخل الغرفة طفلان مزعجان يتدلى المخاط من أنفيهما قالت لي إنهما مجدي ومحمود ابناها.. تشرفنا.. هل أنتما مجيدان في الدراسة؟.. إن مجدي يحفظ الأرقام من واحد إلى عشرة.. تراجعت للوراء راسما أفظع علامات الدهشة على وجهي.. وتساءلت غير مصدق:
=هل تقولين هذا لتثيري ذهولي فقط؟..
- بل هو الواقع..
ونفش الطفل السخيف صدره وشرع يتلو الأرقام حتى عشرة ثم أخذ يدور بوجهه يمينا ويسارا في فخر مبتذل.. الله!.. أنت شاطر يا أخ مجدي.. ليس هذا فحسب.. فإن محمود يجيد غناء أغاني عبد الحليم حافظ.. ألن ينتهي هذا الهراء؟!.. وهنا دخلت خادمة صغيرة مصابة بفقر الدم تدعونا إلى مائدة الطعام فنهضنا وقادني الزوج إلى الحمام لأغسل يدي ووجهي ثم جلست على المائدة المرعبة المزدانة باللحوم وعشرات الأنواع من الخضر والسلاطة و..و.. قلت لها في حرج:
=يبدو أنك توقعت أن الجيش البريطاني آت للغداء معي!..
صاحت في مرح وهي تصب لي الحساء:
- بل هكذا أكلنا كل يوم..
يا سلام!.. تريد أن تقنعني أن هناك بيتا قادرا على إعداد هذا الطعام يوميا فضلا عن طهوه!.. إنه التفاخر الأخرق الذي لا مبرر له.. قالت لي وهي تأكل في نهم:
- هل تذكر بيت الخضراوي؟..
توقفت عن الأكل ونظرت نحوها في حيرة..
*********************
=ما هذا البيت يا عماد؟..
- إنه بيت الخضراوي يا رفعت؟..
=لاحظت أنكم تبتعدون عنه في أثناء اللعب..
- هكذا نصحنا بابا..
كان الإغراء قويا.. فالبيت الشبيه بفيللا من طابقين كان يقف على حافة النيل بينما يتكاثف ضباب الفجر حوله فيجعله أشبه بوحش أسطوري ينتظر.. وفي أعماقي تحرك شعور شهي هو الرغبة في المجهول والخوف منه..
=فلندخل..
صاح الأخوان في صوت واحد:
- سيعرف بابا ويعاقبنا..
=إذن فلنقترب منه أكثر..
لم أكن أجسر على الاقتراب وحدي وكنت محتاجا لصحبة.. وفي تؤدة كخمس قطط صغيرة تنسل فارة زحفنا نحو البيت.. أذكر هواء الندي المشبع بالمازوت ولا أدري مصدره.. وصوت الأعشاب تتهشم تحت أقدامنا والمنزل يكبر ويكبر ويكبر.. لم يكن ثمة مخلوق في المنطقة سوانا وكان السور الحديدي الصدئ المحيط بالبيت مغطى بالطحالب وأوراق نباتات شيطانية تبرز منه ومن خلفه لمحنا غابة -أعني حديقة- متشابكة الغصون والأوراق وأشجارا لا أدري اسمها يلتف بعضها حول بعض.. كانت يد إلهام الصغيرة تلتف في كفي.. وكان كفي الآخر يرتجف في كف عماد الذي كان كفه.. إلى آخر الدائرة.. وفي أعماقنا دوى صوت يهيب بنا مرارا أن نبتعد.. يجب أن نبتعد.. لقد مضينا إلى أبعد مما ينبغي وحان الوقت كي نهرب قبل أن نرى ما نخشاه.. وهنا حدث شئ غريب..
*********************
- لكنك لا تأكل يا د.رفعت..
دوى صوت الزوج يهيب بي ألا أغرق في شرود الذهن.. رفعت الملعقة إلى فمي وقلت مواصلا المضغ:
=بيت الخضراوي؟.. نعم.. أذكره طبعا..
قالت وهي تصفع أحد الطفلين كي يكف عن سكب الحساء على المفرش وتلطم الآخر كي يكف عن إعادة ما بفمه إلى الطبق:
- أنت تعرف أننا لم نعد إليه قط منذ ذلك اليوم..
=هممممممممم!
- حسنا.. لقد عادت شيراز من جديد!..
سقط كوب الماء من يدي على مفرش المائدة.. وشرعت في ذهول أرمق بقعة الماء تتسع تدريجيا..
**********************
كانت البوابة الصدئة مواربة غير مغلقة.. ومن وراء فتحتها كانت واقفة.. وحيدة.. رقيقة.. نحيلة كزهرة.. فتاة صغيرة في مثل سننا ترتدي قميص نوم أبيض طويلا يصل لقدميها.. وقد عقدت شريط العنق على شكل فيونكة صغيرة.. كان شعرها أسود فاحما كالليل ينساب حتى خصرها.. أما عيناها فكانتا غريبتين.. لم أكن قد رأيت عينين زرقاوين في حياتي.. ولقد أصابني الذهول وأنا أرى فتاة تحمل في عينيها لجتين من مياه البحر شديدة الزرقة والصفاء والشفافية.. حتى أنني ساءلت نفسي:
=تبدو كالعمياء.. كيف ترى بهاتين المقلتين الشفافتين؟..
وقفنا كمن أصابنا مس كهربي على البوابة عاجزين عن التفكير.. أما هي فقد فتحت البوابة أكثر.. وعلى وجهها ارتسمت أعذب ابتسامة رأيناها في حياتنا.. ثم سمعنا أجراس الملائكة تقول:
- تعالوا.. لا تخافوا.. هذا هو بيتي..
كان مدحت أول من استعاد القدرة على النطق فقال متلعثما:
- هل.. هل أنت بنت الخضراوي؟..
لم ترد.. بل أشارت لنا لندخل.. ومدت يدها البلورية تعانق عبير وتلثمها على خدها:
- ما أجملك!.. ما اسمك يا حلوة؟..
- عبير..
- اسم جميل.. وأنا شيراز.. صديقتكم..
- اسمك غريب لكنه جميل يا شيراز..
ثم إن شيراز عانقت إلهام وهمست في رقة:
- لماذا تلبسين كالأولاد؟.. لكن هل تريدين رأيي؟.. أعتقد أنك هكذا أجمل..
ثم صافحتني.. لن أنسى أبدا هذه اليد الباردة الشفافة البلورية ما حييت.. تعمدت عدم الضغط حتى لا أسمع صوت الكراش الذي أخشاه.. وفي تهيب دخلنا الحديقة معها نجرجر أقدامنا.. كانت تتقدمنا عبر الأشجار متجهة إلى البيت وقرعت الباب عدة مرات بمطرقة على شكل قبضة يد فانفتح الباب عن خادم نوبي.. ثم إنها دخلت ونحن خلفها إلى مدخل أنيق تحفه المرايا والتحف.. الغريب أن نسيج العنكبوت كان يغلف كل شئ.. فهل هم لا يمكلون ما يزيلون به هذا النسيج؟..
***********************
=آسف جدا.. لكني لا أفهم كيف عادت؟..
قالت إلهام وهي تضع المنشفة على مفرش المائدة فوق البلل الذي حدث:
- أمس مررت بالصدفة - في الصباح الباكر - جوار البيت فوجدتها واقفة جوار البوابة.. وكانت تضحك لي!..
=غريب هذا..
- لماذا لا تأكل يا د.رفعت؟..
=لقد شبعت تماما.. ولكن.. هل حدثتها؟..
- بالطبع لا.. لم أجرؤ على ذلك..
=ولماذا؟.. بعد هذه السنوات.. هل تزوجت؟..
- مستحيل أن تكون قد تزوجت يا د.رفعت..
سألتها وأنا أشعل سيجارة:
=ولماذا؟.. لابد أنها قد صارت عروسا فاتنة..
قالت لي في برود وهي تصب بعض الخضر في طبق طفلها:
- إن شيراز يا د.رفعت بعد كل هذه الأعوام لم تزل طفلة!!..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
13- أسطورة البيت - الفصل الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» 13- أسطورة البيت - الفصل الرابع
» 13- أسطورة البيت - الفصل الثاني
» 13- أسطورة البيت - الفصل الأول
» 13- أسطورة البيت - الفصل الخامس
» 13- أسطورة البيت - الفصل السادس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: