كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 13- أسطورة البيت - الفصل الثاني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

13- أسطورة البيت - الفصل الثاني Empty
مُساهمةموضوع: 13- أسطورة البيت - الفصل الثاني   13- أسطورة البيت - الفصل الثاني Emptyالجمعة فبراير 02, 2018 5:00 am

2- الماضي يصحو..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنهيت جولتي في العنابر مع تلميذي ممتقع الوجه أحمر الأذنين - نسيت اسمه للأسف - الذي يحاول أن يداري أغلاطه قدر الإمكان لكني كنت أعرف جيدا مواضع هذه الأغلاط لأنني كنت أرتكبها في سنه.. بالطبع لم يفحص براز مريضة فقر الدم بحثا عن دم مهضوم.. ناسيا أو متناسيا أن سبب فقد الدم قد يكون نزفا في القناة الهضمية.. وبالطبع لم يفحص نخاع الطفل المصاب بنزف الجلد ناسيا أو متناسيا أن سرطان الدم احتمال وارد.. كانت أذنا الفتى على وشك الانفجار من الدماء المحتشدة فيهما حين انتهى لومي له.. وأنهيت جولتي عائدا لمكتبي.. وجلست أرشف القهوة وأتصفح الرسائل التي وصلتني.. وكانت كالعادة رسائل من أشخاص يطلبون مالا.. أو يتوعدونني بخراب بيتي.. أو من شركات أدوية تعتذر عن عدم قدرتها على تحقيق شئ ما طلبته منها ونسيت كنهه تماما.. ثمة خطاب من جوستاف نيكونسكو الصحفي الروماني يتحدث عن المذءوبين ويقول إن هناك قرى أخرى يبدو أنهم تعاني منهم حقا وخطاب من هاري شيلدون يذكرني برحلة جامايكا الكريهة.. ويدعوني لزيارة تاهيتي لنعرف المزيد من أسرار الفودو.. لقد مات الماضي يا رفاق.. ألن تعوا ذلك أبدا؟.. كان هناك خطاب أخير لم أدر من هو مرسله.. لكن خاتم المظروف كان من المنصورة.. المنصورة أول حب في حياتي.. بيد مرتجفة فتحت المظروف فوجدت هذه السطور مكتوبة بخط أنيق منسق.. كأنه خط امرأة أو خط رجل يملك أصابع امرأة..
"الأخ العزيز د.رفعت.. تحية طيبة وبعد.. أسعدني كثيرا أن أقرأ سطورا عنك في إحدى المجلات الأجنبية التي يملكها زوجي وقد تعرفت الصورة فورا.. وقد تذكرت الماضي وحياتك هنا في المنصورة مع خالك رحمه الله.. وكنتم خير (جيراناً) لنا (هكذا في الخطاب) ولم (نرى) منكم إلا كل خير.. هناك مشكلة في حياتنا يا د.رفعت أعتقد أنها تمسّك بشكل أو بآخر وأرجو أن تلبي دعوة زوجي محمد أيوب وهو مهندس معماري للحضور إلى المنصورة للقائنا ومعرفة المشكلة.. أما لماذا لم (نأتي) نحن فلأننا نعرف أنك غير متزوج وخفيف الحركة ثم أن المشكلة عندنا وليست عندك.. سلامي للأخوة عماد ومدحت وعبير إذا كنت تراهم.. وعلى فكرة عنواني سهل جدا وهو(..........) لكن اتصل بنا بالتليفون قبل أن تأتي حتى نعد لك أكلة طيبة تعوض عظامك التي جفت من طبيخ العزاب.. بالمناسبة رقم تليفوني هو (.......).. وشكرا جزيلا.. أختك:إلهام السويفي"..
***********************
أغلقت المظروف على الخطاب وشرعت شارد الذهن أتأمل القهوة في الفنجان.. إلهام السويفي.. يالها من ذكريات.. صحيح أن الأسلوب ركيك وملئ بالأخطاء النحوية.. ولكن هل تتوقع من إلهام أن تعرف أن المضاف إليه يجر ولا ينصب.. وأن تعرف أن الفعل المضارع الناقص يجزم بحرف العلة.. بل والأدهى أن كلمة طبيخ لا تناسب الفصحى؟!.. غريب هذا.. كان هذا الجزء من ذاكرتي قد مات تماما.. وهاهي ذي تذكرني بنفسها وبالشلة إياها.. وعماد ومدحت..إلخ.. أولئك الذين لو شيعت جنازاتهم لما اختلف الأمر كثيرا.. فالحقيقة المروعة هي أنني لم أر أكثرهم ولم أسمع اسم أكثرهم من ثلاثين سنة تقريبا.. تخيل أنت أن رجلا يصافحك في حماس مؤكدا أنه الطبيب الذي أشرف على ولادتك!.. فهل ستذكر وجهه؟.. هل ستعرفه؟.. بالطبع لا.. كان موقفي ساعتئذ قريبا من هذا.. المنصورة حبي الأول.. لقد ولدت في الشرقية لكني عشت أجمل سني حياتي في المنصورة.. ولهذا لم أزل أحسب نفسي في عداد أبنائها.. إن وطنك هو المكان الذي ارتديت فيه أول سروال طويل في حياتك.. ولعبت أول مباراة كرة قدم.. وسمعت أول قصيدة.. وكتبت أول خطاب حب.. وتلقيت أول علقة من معلمك أو خصومك في المدرسة.. وطنك هو المكان الذي ذهبت فيه للمسجد أول مرة وحدك.. وخلعت حذاءك متحديا صديقك أن يقف جوارك لتريا أيكما أطول قامة.. ووطنك هو أول مكان تمرغت على عشبه في صراع دام مع صديق لدود من أجل فتاة لا تعرف شيئا عن كليكما.. لقد كان وطني هو المنصورة وسيظل كذلك.. مشاهد عدة أسترجعها.. أبي المتوفى.. نحيب أمي وعبارة واحدة ترددها وهي تحرك رأسها يمينا ويسارا:
- كيف أربيهم؟.. كيف؟..
ثم خالي عبد الرحمن يعانقها ويعانقني ويعانق شقيقتي رئيفة وأخي رضا والدمع في عينيه ويومها عرفت أن مصائرنا تحددت.. رضا أكبرنا سنا سيظل في كفر بدر ليرعى الأسرة ويفلح الأرض وكذا رئيفة لأنها فتاة ويجب أن تظل جوار أمها.. ثم إن البيت في القرية لا يستقيم دون امرأة حتى ولو كانت طفلة.. أما عني أنا.. - اسمعي كلامي يا فاطمة.. رفعت ذكي ويمكنه أن يفلح في الدراسة.. ربما صار طبيبا أو مهندسا أو ضابطا.. وحرام أن تضيعي عليه فرصة كهذه لمجرد أن يظل في حضنك..
- ولكننا لا نملك..
- سيعود معي إلى المنصورة ليعيش في داري مع عماد ومدحت وعبير أبنائي.. وكلهم في مثل سنه.. ثم إنني خاله.. والخال والد يا فاطمة.. لا تنسي هذا..
كان الاختيار صعبا لكنه محتوم.. ولم تلبث أمي أن استسلمت لرغبة خالي.. وكان الفراق مؤثرا إلا أنني كعادة الأطفال لم أكد أبتعد عشرين مترا عن داري حتى جفت دموعي ونسيت كل شئ عن كفر بدر.. كانت المنصورة فاتنة منذ اللحظة الأولى ولم أستطع أن أخفي انبهاري.. لا تنس أنها أول ما رأيت في حياتي من مدن.. ودار خالي الأنيقة أو ربما هو ما رأيته والأصدقاء الجدد الذين دخلوا عالمي ودخلت عالمهم.. ولسنوات عدة وحتى التحقت بالكلية عشت في وطني الجديد مكتفيا بزيارات قصيرة لكفر بدر مرة أو مرتين في الشهر.. هي سنوات هادئة تلك التي عشتها هناك في المنصورة.. فقط بعض المغامرات الصغيرة كالفرار من المدرسة إلى السينما وتسلق سور فيللا وصيد الأسماك النيلية في إحدى العزب القريبة.. كنا أطفالا نسكن في شارع صغير ضيق تزينه الأشجار العجوز على الجانبين وكانت الشمس تزخرف أرض هذا الشارع بالظلال طيلة ساعات النهار وطيلة فصول العام بينما نحن نزخرف جدرانه بأسمائنا ورسوم ساذجة بالطبشور ونتائج مباريات كرة القدم المحلية بنفس المنطق والفخر الذين جعلا رمسيس الثاني يزخرف جدران معابده بانتصاراته.. كانت الحياة تمضي وكنا سعداء.. والآن دعني أعرفك شلتنا الصغيرة.. أما هذا الصغير النحيل العصبي بمنظاره السميك الذي كسر إطاره وتم لحامه بالحرارة فهو أنا.. وكما تلاحظون لم أتغير كثيرا سوى زحف الجدب على مقدمة رأسي.. أما هذان الطفلان الجميلان فهما مدحت وعماد ابنا خالي.. الفتاة الأولى ذات الضفيرة والسن الناقصة هي عبير ابنة خالي وهي شيطانة صغيرة خبيثة لا تكف عن الضوضاء.. أما الفتاة الثانية فهي إلهام صاحبة الخطاب.. وإذا ظننت للحظة أنها ولد بسبب شعرها القصير وارتدائها البنطال فاعلم أن الكثيرين ارتكبوا الخطأ ذاته.. ثم كانوا يسمعون صوتها الرقيق فيدركون أنها طفلة تصر أمها على محاكاة موضة آلاجارسون التي يترجمها طه حسين بالمسترجلة ويترجمها العقاد بالغلامة..! كنا نلتقي في الشارع بعد سويعات المدرسة.. أو في أيام الصيف فنبدأ في لعب كرة القدم أو المساكة أو أية لعبة أخرى.. ثم نمل كل شئ بعدها فننفصل أياما نعود بعدها لذات الألعاب.. وكانت طبقتنا واحدة هي طبقة أبناء الموظفين وهي طبقة محترمة في الثلاثينات لهذا كان انسجامنا تاما.. وكنا نتشاجر على الفوز برضا سيدة الأقمار السبع وملكة سبأ الشهيرة باسم إلهام إذا ما كنت تفهم صراع الأطفال المضحك من أجل رضا فتاة.. كان عماد يقلص وجهه ويأتي بأصوات غريبة من حلقه محاولا إبهارها.. وكان مدحت يثب على ذراعيه ويمشي مقلوبا.. وكنت أنا أرسم وجهها.. الخلاصة أن كلا منا حاول أن يريها أفضل ما فيه من صفات.. لكنها وهذا طبيعي لم تر في التوءمين سوى نسخة مكررة لبعضهما.. ولا معنى لأن تهتم بأحدهما دون الآخر أما أنا فكنت الوحيد الذي لا شبيه له.. لهذا لم تخف ميلها نحوي خاصة وأنا أقربهم سنا لها.. وموضوع وفاة أبي قد جعلني في رأيها كائنا أسطوريا عركته الحياة وذاق من التجارب ما لم يذقه هؤلاء المترفون.. هكذا مرت الأيام.. ثم.. لا أذكر أحداثا معينة ذات بال.. متى انفصلت هذه المجموعة؟.. لا أدري.. لكن هناك لحظة ما كان محتما أن تأتي.. ولم تعد الفتاتان معنا في نفس المدرسة.. ولم نعد نرى إلهام لكننا كنا إذا قابلناها صدفة نجدها قد صارت فتاة أخرى.. حتى شعرها صار طويلا وكفت عن ارتداء البنطال.. وكانت تطرق بعينيها للأرض ويحمر وجهها معلنة أنها لا ترغب في تبادل الحديث في الشارع.. أو أحيانا تهز رأسها بتحية عابرة فاترة لا ود فيها.. حتى في دار خالي صار هناك نوع من الحصار حول عبير.. ولم أعد قادرا على رؤيتها في كل وقت ولا دخول غرفتها كما اعتدت في طفولتي.. وصار أخواها أكثر تحفظا في الكلام عنها.. ونظرت للمرآة لأرى ما تبدل.. فوجدت رفعت آخر ينظر لي.. عيناه لامعتان.. والزغب يملأ شفته العليا حتى خيل لي أنه غبار يمكن إزالته بإصبعي.. لكنه لم يزل.. لقد كبرت.. كدت أصرخ وأبكي.. إن كل طفل يسره أن يصير رجلا.. لكني مختلف عن الآخرين إنني مستعد تماما للتخلي عن هذا الشرف مقابل أن نعود لبراءة ونقاء الماضي ليوم واحد فقط.. فجأة امتلأت حياتي بالجدران.. وأدركت في رعب أن حياة الرجولة ستكون قاسية حقا..
********************
تبا للذكريات.. بعد دقائق فطنت إلى أنني كنت أكلم نفسي وأردد عبارات قلتها في طفولتي.. وأضحك وأقطب استجابة لأفعال أشخاص لا وجود لهم.. لقد عثرت عليّ إلهام بعد كل هذه الأعوام..
وبعد أن بدأت الجدران المقامة بيننا تبلى وتتآكل وحين هوى الجدار الأول وجدت هي تلك المجلة اللعينة وقررت أن تكتب لي.. تلك المجلة التي وقعت في أيدي تابيثا وجعلتها تلعب معي لعبة ميدوسا ود.رمزي وجعلته يدعوني لتشريح مومياء الفرعون.. لو كنت ثريا لاشتريت كل نسخ هذه المجلة وأحرقتها.. فقد قضيت وطري من الفخر بصورتي القبيحة المنشورة بها ولم يعد هناك سوى دفع فواتير الشهرة.. ولكن.. لماذا لا ألبي دعوتها؟.. إن المنصورة هي قطعة من روحي.. ولا بأس من أن يزور المرء الموضع الذي فارق فيه روحه قبل أن يتزوج ويضيع للأبد.. كنت قد وصلت لداري.. ودون أن أنزع ثيابي مددت إصبعي لقرص الهاتف.. وطلبت رقما ما..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
13- أسطورة البيت - الفصل الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» 13- أسطورة البيت - الفصل الرابع
» 13- أسطورة البيت - الفصل الثالث
» 13- أسطورة البيت - الفصل الأول
» 13- أسطورة البيت - الفصل الخامس
» 13- أسطورة البيت - الفصل السادس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: