كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 11- حلقة الرعب - الحلقة الخامسة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

11- حلقة الرعب - الحلقة الخامسة Empty
مُساهمةموضوع: 11- حلقة الرعب - الحلقة الخامسة   11- حلقة الرعب - الحلقة الخامسة Emptyالجمعة فبراير 02, 2018 2:05 am

القصة الخامسة .. أنا والعاوّ!.. تحكيها هويدا..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الساعة تدنو من الرابعة صباحا .. لقد انتهت بالفعل أية فكرة للعودة إلى ديارنا هذه الليلة ..لا أدري متى ولا كيف انتهت لكننا فجأة أدركنا حقيقة أننا غدا .. قال شكري في عصبية قاذفا بعقب سيجارته على الأرض ثم تذكر أنه ليس في داره فالتقطه ودفنه في المطفأة:
- أنا أمقت النهايات المفتوحة!..
قلت وأنا أتثاءب:
=وأنا أحبها!..
- أحب وضع النقط على الحروف .. من فعل ماذا ولأي غرض؟ .. هذه هي ميزة القصة أن تضعك في وضع المراقب اليقظ العليم .. فإذا لم تحقق لك هذا فما جدواها إذن؟ .. وما الذي يميزها عن الحياة؟!..
قال د.سامي في بساطة:
- أنت مصر يا أستاذ شكري على اعتبار قصصنا مؤلفة.. ولكن هذا هو ما حدث بالضبط.. يمكنك أن تحبه أو لا تحبه لكنه حدث!.. وكما قال د.رفعت لا يمكنك أن تتهم الثورة الفرنسية أنها ركيكة!..
هرش شكري لحيته في ضيق وغمغم:
- كنت أصبو إلى اتضاح الأمور و..
وهنا سبحت الغرفة في الضوء الأبيض الخاطف لجزء من الثانية.. وثبنا كالملسوعين من مقاعدنا ونحن بعد لم نعرف ما الذي نعتقده.. لكن د.سامي رفع كفه في تؤدة وهتف:
- إنه ميعاد التصوير الجديد!.. هل نسيتم؟.. لقد أعددت مفاجأة صغيرة لأختبر أعصابكم بعد قصتي!..
وهنا برزت مدام ثريا من خلف الستار حاملة الكاميرا وفوقها الفلاش.. وكانت تضحك في تشف حقيقي..
- يا لها من فكرة!..
- إذا كان المطلوب هو الرعب في حد ذاته.. فلا تنكروا أنني قد وفقت إلى حد كبير.. لقد وثبتم من مقاعدكم ككرات البنج بونج!..
قالت هويدا وهي تتنهد وتستريح في جلستها:
- لقد صارت أعصابي مشدودة كالزنبرك.. وسأنفجر صارخة في وجه أي شخص في أية لحظة!..
أشرت لها وابتسمت:
=لقد جاء دورك في الإرعاب بعد الارتعاب..
نظرت للسقف في حيرة وخجل ثم قالت:
- دوري أنا؟..
=طبعا..
- قصة مرعبة؟..
=نعم..ولكن لا تحكي قصة المرآة لأن سهام حكتها.. ولا تحكي قصة الفرعون أخيروم لأنني حكيتها للقراء..!
قالت وهي تحملق في السجادة معابثة نقوشها بطرف حذائها:
- إن هذا صعب.. ولكن.. مهلا.. عندي قصة أعتقد أنها ستشد اهتمامكم إلى حد ما.. أنت تعرفين ميمي صديقتي يا سهام وتعرفين مشاكلها بعد سفر زوجها بلبل للخارج تاركا إياها وحيدة مع مشمش.. إن ميمي..
قاطعتها في كياسة:
=هويدا.. هل يضايقك كثيرا ذكر الأسماء الكامنة بدلا من أسماء التدليل المستفزة هذه؟!.. سيكون صعبا علي أن أتذكر من هو بلبل ومشمش وميمي..
نظرت لي في ضيق وهزت رأسها مستسلمة:
- ليكن.. ولكن لا تقاطعني ثانية..
قالت هويدا:
- أنا أمقت الأطفال!.. أعرف أنه من العار أن تعترف امرأة بذلك.. لكنكم لستم أغرابا.. نعم أنا أمقت الأطفال خاصة حين يصلون إلى السن الكريهة التي يمكنهم فيها جذب ذيول القطط وكسر المزهريات الثمينة.. السن التي تتلوث فيها أنوفهم بالمخاط وركباتهم بالميكروكروم ويصدرون أصواتا سخيفة عند اللعب.. أمقتهم ولم أكن متجنية تماما في ذلك..
- هويدا.. لقد توفيت خالتي!..
قالتها مها وانفجرت في البكاء..
- مها!.. لا عليك يا حبيبتي.. كلنا سنشرب ذلك الـ.....إلخ..إلخ..
شرعت أواسيها عبر سماعة الهاتف لكنها بالطبع لم تصغ لحرف من كلامي.. ثم إنها هتفت عبر السماعة:
- هويدا.. لقد جاءني الخبر من كفر الزيات منذ دقائق.. وعليّ أن أذهب هناك الآن..
كانت مها تعيش وحدها في الاسكندرية بعيدا عن عائلتها التي احتشدت كلها في كفر الزيات وكان زوجها قد سافر للخارج لكنها لم تستطع ترك الدار والإقامة في مسقط رأسها وذلك لظروف العمل ومدرسة مجدي ابنها الوحيد.. وكنت أعرف ما ستطلبه بالتأكيد لأن امتحانات ابنها تبدأ بعد غد ولا يمكنها إضاعة وقته بالسفر معها ولا يمكنها ألا تسافر ولذلك..
- أريدك أن تعتني بمجدي حتى أعود..
- لا مانع..
قلتها بصوت مبحوح لأنني كما قلت لكم أمقت الأطفال لكن نداء الواجب لا يعرف الميول الشخصية.. لهذا أردفت في استسلام:
- هل تحضرينه لي أم آتي لآخذه؟!..
- لا يا حبيبتي..أريدك أن تأتي لتمضي الوقت معه هنا..
لأنه كما قالت لي لن يستطيع أن يركز أفكاره في بيئة مغايرة وربما معادية مثل بيتي وقد أثار هذا حنقي.. إن هذا المفعوص في السنة الثالثة الابتدائية فأي شئ ستفعل وتقول حين يصير في الثانوية العامة؟!.. ولكني لن أترك أمي..
- لن أتأخر يا هويدا.. أقسم لك.. سأعود مع الليل.. وعندئذ تعودين مشكورة لبيتك على أنني سأطلب ذات الشئ منك غدا..
- فليكن..
إن بضع ساعات لن تضر أحدا خاصة ودارها قريبة من داري ولن يكون الانصراف مشكلة.. وهكذا ذهبت لأعمل جليسة أطفال دون أجر..
*************************
ما إن دخلت من الباب حتى ارتمت مها في أحضاني دامعة العينين ذابلتهما.. وأخذت تنهنه وتمخط على كتف ثوبي الجديد وأنا أردد عبارات من نوع (كلنا سنموت واستراحت المسكينة والبركة فيك).. حتى غلبني البكاء فشرعت أبكي معها.. ثم إنها أغلقت أزرار ثوبها الأسود وقادتني إلى الداخل.. وكان طفلها مجدي واقفا يرمقني ممسكا بقط أبيض ضخم.. مجدي الذي طالما وصفته أمه بأنه يملك من الذكاء ما يفوق سنه بمراحل وبشهادة كل المربين الذين صادفوه.. وحين رأيته عرفت أنه هو.. ذلك الطراز المزعج من الأطفال الوقحين المدللين المدمرين الصاخبين المتوحشين المخربين القذرين الكذوبين الـ.. كل الصفات القاتلة التي يمكنني تعدادها إلى يوم الدين!.. لقد وقعت في الشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله.. كانت مها تهرول بفردة حذاء واحدة هنا وهناك شارحة لي طقوس دارها.. وإلى المطبخ قادتني وأشارت إلى الموقد:
- هاك.. أرز وبطاطس أعددتهما له على عجل.. إذا جاع مساء يمكنك أن تطعميه..
وهرعت إلى الثلاجة وفتحتها وهي ترتدي فردة الحذاء الأخرى:
- هاك.. مياه غازية وآيس كريم.. في الثامنة مساء بعد أن يتناول عشاءه.. و..
ثم التقطت حقيبتها وهرعت إلى الباب وهتفت قبل أن تخرج:
- خذي الحذر.. ولا تدعيه يشنق القطة فهو يحاول ذلك من شهور..
- يشنق ماذا؟!..
- القطة.. ولا تدعيه طبعا يأكل الصبار الموجود في الشرفة..
ثم أنها عانقتني وبكت:
- آه يا خالتي الحبيبة!..
ودعتها على السلم وأنا لا أرى شيئا من الدموع أنا الأخرى.. ثم عدت لأبدأ مهمتي المستحيلة..
*****************
كان واقفا في الصالة كما تركناه واضعا يده في جيبه وبيده الأخرى يمسك بالقطة.. وكانت عيناه وقحتين شرستين إلى أقصى حد.. قلت له في حزم وأنا أشير إلى غرفته:
- والآن يا مجدي اترك القطة وابدأ المذاكرة..
لم يبد علامة توحي بسماع ما قلت وفي برود سأل:
- أنت المربية الجديدة..؟
- أنا صديقة أمك..
- وستعنين بي؟..
- وأجبرك على المذاكرة كذلك..
- وكم دفعت لك أمي؟!..
صعد الدم إلى رأسي وصحت به:
- كف عن الوقاحة وادخل غرفتك..
لثوان التقت عينانا وتصادمت الإرادتان.. ثم خضع أخيرا وألقى بالقط على الأرض وهتف وهو يهز كتفه:
- لقد ذاكرت بما يكفي..
- إذن زد على ما يكفي..
نظر في عيني وابتسم أوقح ابتسامة رأيتها في حياتي وغمغم:
- ألا تخافين من العاوّ؟..
- عاوّ؟!..
وهنا تذكرت تلك اللفظة السخيفة من أيام طفولتي.. العاوّ هو غول عملاق أو شيطان هائل أو جني جبار أو كلب ضخم أو باختصار هو كل ما يخيف الأطفال.. إن هذه الكلمة تلخص في براعة مئات الكائنات الشيطانية ومهمة العاو كما تراها الأمهات تتلخص في التهام الأطفال الأشقياء.. أنا أيضا كنت أخاف العاو ولكن كان ذلك منذ دهر.. يالذكريات الطفولة ويالمخاوفها!.. لقد كان العاو متعدد النشاطات.. فهو يلتهم الفتيات الصغيرات اللواتي تتسخ ثيابهن أو يهملن وضع الشريط ليعقصن شعورهن أو يضعن إصبعا في أنفهن أو يكذبن أو يضربن الأولاد.. أو.. أو.. كانت النجاة من العاو ضربا من المستحيلات.. لكنني نجوت.. نجوت.. واليوم أنا شابة ناضجة في الثلا.. أ.. في الخامسة والعشرين من عمري ولن يستطيع أي عاو أن يلتهمني دون مسائلة قانونية..
- ألا تخافين من العاوّ؟..
كان السؤال معلقا بعد وكان ينتظر إجابة..
- أنا لا أخاف العاوّ لأنه لا يلتهم سوى أمثالك..
انفجر يضحك.. ضحكة غريبة عصبية لم تكن متوقعة من طفل وسمعته يهتف:
- إذن.. هل يضايقك أن تعرفي أن العاوّ هو أنا؟..
- حقا؟.. سيغمى عليّ..
- تظنين أنني أمزح..
- اسمع أيها القرد الصغير.. لن أسمع كلمة أخرى.. هيا!..
ابتسم في ثقة.. ثم اتجه إلى حجرته متبخترا بشكل مبتذل.. سيكون من الصعب عليّ ألا أقتله في الساعات التالية..!
********************
أمضيت ساعة كاملة أستمع للراديو وأتصفح المجلات النسائية التي وجدتها على الأريكة.. كانت مها قد أخرجت بعض الباترونات وأعدت مقصا وقماشا حين جاءها النبأ المشئوم كما هو واضح.. وهنا شعرت بتأنيب ضمير.. لماذا جئت من داري إذن ما دمت سأكتفي بسجن هذا الطفل؟.. وأية رعاية أقدمها له بجلوسي هنا..؟ نهضت في تثاقل إلى غرفته وفتحت الباب..
- مشمش!.. هل تبغي شيئا؟..
ودلفت إلى الحجرة فلم أجده.. كانت الغرفة خاوية تماما.. غرفة طفل أنيقة ومهندمة لكن الحوائط كانت مزدانة بصور شيطانية لوحوش ومصاصي دماء إلخ.. صور تم قصها من المجلات وإلصاقها على الحائط.. وياله من مزاج لطفل في التاسعة من العمر..! كانت الستارة تتطاير عبر باب الشرفة المفتوح إلى داخل الحجرة.. وكانت رائحة الليل العطرة تملأ هواها.. الليل الوليد البكر..
جريت إلى الشرفة لأبحث عنه فلم أجده.. طار صوابي رعبا وانحنيت على سور الشرفة باحثة عن جثة صبي في التاسعة من عمره مهشمة على الأسفلت فلم أجد واحدة.. و.. كرانك!.. نظرت للخلف فأدركت أن باب الشرفة قد أغلق دوني!.. لقد فعلها الشيطان!.. ولابد أنه اختبأ تحت الفراش بعد ما فتح باب الشرفة ليغريني بدخولها وما إن دخلت حتى فعلها!.. والآن أنا في مأزق!.. لن يفتح لي وسيخرب في البيت كما يشاء حتى تعود مها.. يمكنني أن أصرخ وأقرع الباب مرارا لكن كل هذا سيبوء بالفشل فهو يعرف ما سيحدث له لو فتح الباب!.. ماذا أفعل إذن؟.. ظللت ربع ساعة أرمق الناس من الشرفة عاصرة ذهني بحثا عن حل ملائم فلم أجد ثم نظرت للباب من فوق كتفي فرأيت الباب مفتوحا.. إذن لقد عاد وفتحه لي بعد أن أرعبني قليلا.. إن هناك برغم كل شئ بعض الآدمية في هذا الطفل.. لن يكون عقابه أسطوريا كما أزمعت.. وفي تؤدة دخلت الحجرة.. كان جالسا على مكتبه منهمكا في الدراسة.. في يده قلم رصاص وأمامه كتاب مفتوح به بعض مسائل الكسور.. وحين رآني ابتسم في رقة وهتف:
- أنت في الشرفة يا طانط هويدا؟!..
صعد الدم إلى رأسي وصحت مقلدة لهجته:
- يا سلام!.. في الشرفة يا طانط هويدا!.. يا للأدب والرقة!.. ومن تظنه حبسني بالداخل أيها القرد الصغير؟!..
بدت عليه دهشة حقيقية:
- هل كنت محبوسة؟.. لماذا لم تناديني؟!..
شعرت بأنني سأصاب بجلطة مخية من الغيظ.. فاكتفيت بأن اقتربت منه واعتصرت أذنه في غل:
- اسمع يا فتى!.. لو حدث هذا ثانية فلن تجد أمك بقايا تدفنها!..
قال متأوها وهو يضغط على أسنانه:
- أنت.. آه!.. شرسة الطباع!..
بعد ثوان بدأ غضبي يتلاشى.. فاختلست نظرة إلى كتابه وأطلقت سراح أذنه.. إنه لا يجيد الحساب أيضا.. الطفل الذي يعتقد أن ثمانية في تسعة تساوي أربعين هو طفل في مأزق دراسي!..
- ألا تعرف جدول الضرب؟..
رفع رأسه ممسكا بأذنه الحمراء كالدم..وفي تؤدة غمغم:
- كلنا لا نعرف جدول الضرب!..
- ومن أنتم؟..
- نحن مصاصو الدماء!..
ثم ضحك ضحكته الساخرة الغريبة..
*********************
بعد نصف ساعة ذهبت لغرفته ووقفت على الباب سائلة:
- هل تريد أن تأكل؟..
رفع رأسه نحوي وهرش في رأسه:
- ماذا آكل؟..
- أرزا وبطاطس..
باشمئزاز مط شفته السفلى وتثاءب:
- لا أريد..
- لابد أن تتعشى..
- ولماذا يأكل العاو أرزا وبطاطس ما دمت أنت موجودة؟!..
*********************
بعد قليل خرج للصالة حيث كنت جالسة وشرع يدور حولي كأنما يريد شيئا فسألته وأنا أتصفح المجلة دون أن أرفع عيني:
- جعت؟..
- نعم.. ولكن ليس للبطاطس!..
ووقف أمامي يتأملني بعض الوقت فتظاهرت أنني لا أعبأ حتى بسؤاله عما يريد.. إن هذا الطفل قد بدأ يثير أعصابي إلى حد غير معقول لكنني لن أدعه يشعر بذلك..
قال وهو مستمر في تأملي:
- إن أمي أكثر أناقة وجمالا منك!..
- شكرا.. أعرف ذلك..
- وأنفها أصغر..
- لم أطالبك بالزواج مني..
ثم إنني تماكلت أعصابي ونظرت له في برود:
- هل ستأكل أم لا؟..
- هل يمكنني شرب بعض المياه الغازية؟..
- لا بأس.. ولكن القليل منها جدا..
جرى إلى المطبخ وسمعت صوت فتح الثلاجة ثم صوت سائل فوار وبعد ثوان جاءني حاملا كوبا به قليل من السائل الأسود الرغوي وقدمه لي وفي رقة وكياسة طلب مني أن أشربه كعربون صداقة لأنه يشعر أنني لم أرتح له كثيرا.. بدأت أشرب في شك متوقعة شركا آخر لكن المشروب كان لذيذا منعشا وشعرت أن حقدي بدأ يذوب تدريجيا أما هو فجلس على الأرض عند قدمي يداعب القط البدين ثم قال لي دون أن ينظر نحوي:
- كانت عندنا مربية قبلك..
- قلت لك إنني صديقة ماما ولست المربية..
هز رأسه في تؤدة بمعنى أن هذا ليس خطأ جوهريا واستطرد:
- كانت سيدة طيبة.. لكنها مرضت مرضا شديدا..
- إن مربيتك لابد أن تصاب بالسرطان والسكر وارتفاع ضغط الدم..
- كان لونها يبهت ويبهت كل يوم.. حتى صارت صفراء كالبرتقالة وخف وزنها وظهرت عظامها..
- وهل جاء لها الطبيب؟..
- نعم وقال إنها مصابة باللامينيا..
- تعني أنيميا؟..
- ربما كان ذلك.. ولم يعرف أحد السبب.. ثم تركتنا وتقول ماما إنها ماتت في المستشفى..
تنهدت في صبر وهمست وقد تذكرت ما حكته لي مها عن هذه القصة الأليمة:
- رحم الله الجميع..
- لكنهم لم يعرفوا أو نسوا حقيقة هامة.. هذه المرأة كانت تنام جواري في الفراش كل ليلة!.. وهذا هو خطأ الكبار.. إنهم لا يصدقون الصغار أبدا مهما حدث.. ولطالما أنذرتهم!..
لم أفهم ما يعنيه فنظرت له متسائلة.. ازدادت ابتسامته وقاحة واتساعا ثم قال:
- ألم تفهمي بعد المأزق الذي أنت فيه..؟!وحيدة مع العاو في شقة موصدة بالمفتاح!!..
*******************
- موصدة؟.. ماذا تعني بموصدة؟..
- أنا أغلقتها بالمفتاح من الداخل!..
قالها في فخر وهو يثب للخلف مبتعدا عن منالي.. في حين صحت في ذهول:
- ولكن لماذا؟.. وأين المفتاح؟..
- أخفيته!..
نهضت نحوه في شراسة عازمة أن أرتكب أولى جرائم القتل في حياتي.. لابد أن السفاحين جميعا يبدءون هكذا.. لكنه تملص من يدي وشرع يقهقه ويصفق..
- لن أخبرك مهما فعلت بي!..
ثم جرى للمطبخ فهرعت خلفه لأرى ما سيفعل.. كان عائدا من هناك حاملا علبة دواء صغيرة يبدو أنها فارغة وما إن رآني حتى وثب جانبا رافعا العلبة في يده.. وعلى الغلاف قرأت كلمة ميبروباميت وهذه الكلمة مألوفة لي لأنها الدواء المنوم الذي كنت أعالج به بعد الانهيار العصبي الذي تلا انفصالي عن ها... أعني بعد أرق مستمر عانيت منه.. ولكن ما معنى هذا؟..
-معناه يا طانط هويدا أنك شربت عشرة من هذه الأقراص في كوب المياه الغازية!..
- أيها الشيطان الصغير!.. ولكن لماذا؟..

صاح في براءة كأنما أهنت طفولته:
- وكيف أمتص دماءك أنا العاو ما لم تنامي؟..
إن هذا الطفل مجنون أو ممسوس.. ليست هذه تصرفات أطفال أبدا.. هل حقا شربت هذا المنوم؟.. إذن سيكون أمامي ربع ساعة قبل أن أدخل غيبوبة عميقة لأن هذه الجرعة سامة بالتأكيد والواقع أنني بدأت أشعر بليونة في ساقي ودوار في رأسي وثقل في جفني..
- مجدي هات المفتاح فورا!..
- مستحيل!..
- ولكن لماذا تفعل ذلك؟..
- لأنني العاو!..
ثم أردف وهو يتواثب حولي كالضفدع:
- هل سمعت عن الثاليدوميد؟..
تصلب جسدي إذ سمعت هذه الكلمة.. لم أتصور قط أن يعرف طفل في التاسعة من عمره معناها أو نطقها.. ولقد أعادت لي ذكرى ذلك العقار الذي أنتجته إحدى شركات الأدوية في أوائل الستينات كمسكن للحوامل وكانت نتيجته كارثة.. جيل كامل من الأطفال ولد بلا أطراف وكانت مصيبة في العالم وأفلست الشركة وتم وقف إنتاج العقار.. ولكن ما دخل هذا العقار فيما يحدث؟.. قال مفسرا وهو يلهث من جراء مراوغتي:
- أنا من أطفال الثاليدوميد.. أحضره أبي من الخارج لوالدتي وجئت أنا للكون بكامل أطرافي.. إلا أن العقار كان له أثر غير متوقع في وظائفي الحيوية.. ولم يشعر بابا أو ماما بالفارق لأنني أجدت إخفاءه!..
ثم اقترب مني خطوة والتمعت عيناه:
- لا أستطيع الحياة بدون دم!.. ومشكلتي هي العثور عليه.. في البدء كانت المربيات وأصدقائي في المدرسة لكنها كانت كميات محدودة أما اليوم فقد سنحت لي الفرصة كاملة لإرواء ظمئي!..
تراجعت للوراء على الرغم مني بضع خطوات وصحت:
- كف عن خداعي!..
ابتسم في ثقة وسألني:
- بصراحة.. هل رأيت طفلا في سني يتحدث ويتصرف مثلي؟..
- بصراحة.. لا..
- إذن صدقي ما أقول.. وعلى كل حال سيتضح الأمر بعد دقائق!..
*************
وثبت إلى الوراء صائحة في هستيريا:
- سأصرخ!.. وساعتها ستشرح قصتك للجيران!..
طقطق بشفتيه في أسى وهمس:
- وإذا كانت هذه دعابة سخيفة من طفل.. هل فكرت كيف ستفسرين موقفك؟!..
- إذن سأوسعك ضربا حتى أهشم عظامك.. ووقتها لن يمكنك إيذائي حتى لو فقدت الوعي..
عاود الضحك في ثقة ومن فمه خرجت الكلمات القاسية:
- ذات المشكلة.. كيف تفسرين للجيران ولأمي وللشرطة قيامك بتهشيم عظام طفل برئ؟.. أمانة طلب منك رعايتها.. إن القسوة لن تنتهي من هذا العالم أبدا!..
نفس الشعور الذي ينتابني حين ألعب الشطرنج مع رفعت وهو من هو في إجادة اللعب.. كل الخانات مغلقة وكل لعبة لها خطرها الجسيم.. واتخاذ القرار مشكلة.. ولكن لابد من حل..
- إذن سأقيدك بالحبال حتى تصل أمك!..
- عندئذ سأصرخ أنا داعيا الجيران كي يروا بأنفسهم ما تخفيه النساء من شر خلف مظهرهن الرقيق..
والتمعت أسنانه البيضاء المسوسة وهمس:
- ألم تفهمي بعد المأزق الذي أنت فيه؟؟..
إن وعيي يتخلى عني.. يجب أن أكبل هذا السفاح أو أشله قبل أن أنام.. من الممكن أن أقتحم الشرفة وأصرخ كي ينقذني أحدهم.. لكن الاحتمال ما زال قائما في أن تكون هذه لعبة أطفال سمجة ولكم أمقت أن أرى نفسي أنا الخجول البائسة أحدث فضيحة في الحي كله من أجل لعبة أطفال دعكم طبعا من نظرة مها إلى صديقتها الهستيرية التي لم تتحمل رعاية طفلها ساعتين.. عليك اللعنة يا مها أنت وطفلك الكريه!..
أية تربية تلك التي تنجب سفاحا كهذا؟!.. وفي ثقة كأي زعيم مافيا نال من خصومه دلف لحجرته مرددا:
- سأدرس قليلا حتى تستعدي!..
ياللوغد!.. وحدي وقفت في الصالة أترنح.. لا جدال هنالك!.. إن وعيي يتسرب.. وقدمي تتحولان إلى هلام.. ورأسي تزن طنين.. يجب أن أتصرف.. لن أصرخ.. لكني سآخذ بالحل الأحوط.. سأقيده وليكن ما يكون.. وحين تعود مها سأخبرها بكل شئ.. ولسوف تصدقني فلابد أنها تعرف دعاباته وتتوقعها.. وجدت بكرة من قطان الستائر فحملتها في يدي وتحاملت على نفسي داخلة الغرفة.. ستكون معركة قصيرة لكنها ضرورية.. عندئذ رأيت.. رأيت هذا الشئ واقفا في وسط الغرفة مديرا ظهره لي.. وحين سمع خطواتي استدار للوراء نحوي.. كان يمسك بجثة القط الأبيض وقد تلوث عنقها بالدم.. أما عيناه فكانتا حمراوين تماما.. وكان الدم يسيل على فمه ويلوث ذقنه.. وفي تؤدة ألقى الجثة أرضا وهمس لاهثا:
- لقد طال الانتظار.. طال..
ثم اتجه نحوي وهو يهمس:
- والآن فلينته كل هذا!.. لقد استنفد العاو صبره!..
الضباب يزداد كثافة.. الصمت يغزو أذني.. لم تعد لي قدمان.. فقط أذكر أنني سقطت على الأرض وهو يجثم بجسده الصغير فوقي.. مجرد طفل لكني أدركت أنه لم يكن سوى الشيطان ذاته.. هل كنت أصرخ؟.. لا أذكر.. فقط أذكر وجهه الشرس وعينيه و.. وشعرت بيد مها تنهضني من على الأرض وتهتف:
- أرى أنكما ومشمش صرتما صديقين!.. لكنك تضيعين وقته بهذا اللعب يا هويدا.. لماذا أغلقتما الباب بالمفتاح؟.. وأنت يا مشمش.. ألم أقل لك أن تكف عن قلب جفني عينيك؟!.. يالها من عادة سيئة!.. ولماذا لوثت دمية القط بالحبر الأحمر ولماذا لوثت وجهك به؟!.. تبا!.. إن هؤلاء الشياطين الصغار سيؤدون بنا للجنون!!..
نهضت مضعضعة باكية وسألتها:
- الـ..الأقراص..الميبروباميت؟..
فهتفت في لامبالاة:
- أنت تعرفين.. هذه العلب تصلح تماما لحفظ البهارات بعد أن تفرغ.. ولكن لماذا تسألين؟.. مشمش!.. قلت لك مرارا ألا تحبس القط في الدولاب.. حرام!.. أحيانا أحسبني قد أنجبت شيطانا!.. على أنني راضية عن انسجامكما معا يا هويدا خاصة وأنني ذاهبة إلى خالتي غدا وسيكون عليك أن تكرري خدماتك اليوم..
وأدمعت عيناها وفي هستيريا هتفت:
- آه!.. يا خالتي الحبيبة!!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
11- حلقة الرعب - الحلقة الخامسة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الأولى
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الثانية
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الثالثة
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الرابعة
» 11- حلقة الرعب - الحلقة السادسة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: