كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 11- حلقة الرعب - الحلقة الرابعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

11- حلقة الرعب - الحلقة الرابعة Empty
مُساهمةموضوع: 11- حلقة الرعب - الحلقة الرابعة   11- حلقة الرعب - الحلقة الرابعة Emptyالجمعة فبراير 02, 2018 2:03 am

القصة الرابعة .. الزائرة .. يحكيها: د. سامي وحرمه ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنهيت قصتي وتثاءبت .. فقد جاء دوري لأنعس بينما يحكي الآخرون قصصهم لجمهور وهمي .. قال شكري في جفاء وهو يتمطى:
- لا بأس بها .. لكنها بشعة أكثر من مرعبة!..
=وما الفارق؟..
- كالفارق بين سماع زئير الأسد ورؤية الأسد نفسه! .. في الحالة الأولى ينتابك الرعب .. أما في الحالة الثانية فتصدم .. وقصة الرعب الجيدة تفسح مجالا للخيال لكنها لا تصدمك .. لا مجال في قصة الرعب الجيدة لوصف العيون المقلوعة والجثث النخرة .. و .. و .. لكنها توحي لك بذلك ..
قلت في غيظ مقاوما رغبتي في اقتلاع عينيه:
=تنسى أن هذا حدث لي فعلا ولست مسئولا عن الإحكام الأدبي للأحداث .. لا يمكنك أن تقول أن الثورة الفرنسية ركيكة أو مفتعلة مثلا ..
- على كل حال.. أعتقد أن أفضل قصص الليلة هي قصة د.محمد شاهين حتى الآن.. فهي تحمل جو التوتر والنذير الغامض وتحشد توترك.. ثم تفاجئك بأنك كنت مخدوعا.. وما دمت لم أحك قصتي بعد فإن قصصكم لديها فرصة.. والآن دعونا نسمع أو بالأحرى نستمع إلى قصة د.سامي..
تبادل د.سامي وزوجته النظرات ثم قال في رقة:
- حسنا.. أعتقد أن مدام سهام قد أفسدت قصة المرآة التي كنت أدخرها لكم.. لكن عندي قصة لا بأس بها..ويمكننا أن نتبادل سردها..
قالت مدام ثريا وهي تدعك عينيها الحمراوين:
- احك أنت.. وسأصحح لك التفاصيل..
********************
قال د.سامي:
إن الخوف من المجهول ومن الأشياء التي تحدث خلف ظهورنا لخوف عتيد.. وفي حالتي كان كابوسي الخاص يتعلق بالأشياء المفزعة التي تحدث في دارنا بعد أن نتركها ونسافر.. لو أن عينا سحرية وصفت لنا ما حدث في المكان الخالي.. فأي شئ سنراه؟.. كانت هذه الفكرة تؤرق صباي وشبابي وواضح أنها ستؤرق شيخوختي..
********************
هي هواية التصوير الفوتوغرافي التي بدأت كل هذا الفزع.. أرى وجوهكم تتساءل عن الكيفية التي يسبب بها التصوير الفوتوغرافي رعبا لأحد.. انتظروا دقائق وستفهمون كل شئ.. كنت في تلك الأيام من عام 1961 فخورا بآلة التصوير العاكسة التي ابتعتها من الدانمارك وقضيت أوقاتا لا بأس بها أجرب عدساتها وأصور عشرات التأثيرات الخاصة.. ثم بدأت ألتقط صورا لنباتات الظل في داري.. كنت بحاجة ماسة إلى تعلم الصبر مع كائن ممل بطئ التغير كالنبات خاصة حين تحاول الإحساس بنموه بشكل ملموس.. وتفتق ذهني عن وسيلة مشابهة لأسلوب تسريع الزمن المستعمل بكثرة في تصوير النباتات والزهور.. في هذا الأسلوب يتم التقاط صورة للحدث المراد متابعته على فترات متباعدة.. صورة كل ثلاث ساعات أو كل يوم.. المهم أن عرض هذه الكادرات يجري بسرعة أربعة وعشرون كادرا في الثانية حسب أكثر آلات العرض شيوعا.. وهكذا يولد مشهد لم يوجد قط.. إنك بهذا الأسلوب ترى غصون اللبلاب تزحف كالأفاعي متسلقة الجدران والورود تفغر فاها كطيور وليدة والأغصان ترقص مترنحة تجاه النور.. إنك تحصل على حياة محمومة أكثر إيقاعا من حياتنا وأكثر إبهارا.. لكني لم أكن أملك جهاز عرض سينمائي.. كل ما كان في جعبتي هو فانوس سحري متهالك يمكنه أن يعرض الشرائح الشفافة على الحائط وعن طريق سرعة تغيير الشريحة المعروضة أستطيع أن أخلق انطباعا زائفا بالحركة وهي بالطبع ليست حركة ناعمة كالتي نراها في السينما بل هي مجرد انتقالات عصبية خاطفة كأنها تجارب لوميير الأولى.. لكني كنت منبهرا بالنتيجة.. وكانت نتائج تصوير شروق الشمس باهرة.. تخيل معي الأفق المظلم الذي يبدأ في التلون ثم يثب قرص الشمس في ثقة وسط اللون الأحمر كي يبعث الدفء والنور من حوله.. تخيل ما يمكن أن يحدث لو صورت النباتات بنفس الأسلوب.. لكنها تجربة قاسية.. ولسوف أحتاج إلى صورة في العاشرة صباحا وصورة في العاشرة مساء كل يوم لمدة أسبوعين حتى أحصل على نتيجة ما.. وأنا رجل مشغول مشغول..
ليس لدي ترف تكريس ليلي إن لم يكن نهاري أيضا لهذا السخف حتى ولو كنت شغوفا به.. خاصة وثريا مصابة بفقدان ذاكرة مزمن يصعب معه أن تتذكر شيئا كهذا.. لهذا ابتكرت جهازا رائعا.. هذا الجهاز هو نوع من الدائرة الكهربية التي تنغلق كلما لامست عقارب الساعة العاشرة صباحا أو مساء.. ويتكون من منبه وعدة أسلاك وبطارية.. وقد أوصلتها بضاغط الكاميرا الذي يفتح الحاجب ويبدأ الفلاش في ذات اللحظة.. أما الكاميرا فوضعتها فوق حامل وأحكمت ضبط شباك رؤيتها على لقطة متوسطة لنباتاتي الجميلة وكان موضع هذا الحامل هو في الصالة هنا قرب هذا المقعد.. هل ترون المكان جيدا؟.. إن هذا الموضع يظهر أصص النباتات بوضوح ويظهر كذلك مشهدا خلفيا عاما للصالة كلها كما لابد أنكم لاحظتم.. وما إن أحكمت إجراءاتي واطمأننت على كل شئ.. حتى بدأت التنفيذ.. ومن هنا تبدأ قصتنا..
*********************
كانت التجربة مسلية.. وقد اعتدت وثريا سماع الكليك صباحا ومساء فكانت تبتسم في إعجاب وأبتسم أنا في تواضع متظاهرا أنني لست ذلك العبقري الذي تظنه.. إن آلية اختراعي تعمل بكفاءة تامة.. كنا كما تعلمون كثيري الخروج لزيارة المعارف لأننا نحب الجو الاجتماعي أو كما يقول د.رفعت نعشق ثاني أكسيد الكربون ونكره الأكسجين.. لكننا كنا مطمئنين في كل مرة إلى أن الكاميرا تؤدي عملها كخير ما ينبغي.. كان عداد الكاميرا يدنو من الثلاثين لقطة وكان الشغف يملؤني لرؤية النتيجة.. صحيح أنها لن تكون في إتقان آلات التصوير السينمائي لكنها ستخدم الغرض..
**********************
كنت أتردد على عيادتي بعد الظهر حيث أقضي ساعتين أو ثلاثا مع مشاكل مرضاي.. وعلى النقيض من عيادات الأطباء النفسيين المزدحمة التي يستعملون فيها العقاقير فإن عيادة المحلل النفسي تعتمد على مريضين أو ثلاثة يأتي الواحد منهم ليرقد على أريكة مريحة ويثرثر عن نفسه على حين يجلس المحلل عند رأس المريض واضعا ساقا على ساق يدون ما يقال في بلوك نوت صغير أو إذا كان متحذلقا يجلس جوار بكرة جهاز التسجيل الدائرة ويكتفي بالأسئلة.. إن أساليب التحليل النفسي معقدة وتحتاج لصبر لا ينتهي.. كما أنها تحتاج لطبيب لاه عن المادة غير متعطش للكسب بل للمعرفة.. ومع حديث المريض المسترسل.. أو حكايته لأحلامه.. أو تداعي المعاني غير المقصود.. أو تفسيره لصورة مشوهة يريها الطبيب له.. أو تحت تأثير التنويم المغناطيسي.. يبدأ المحلل يجد خيوطا تقوده إلى جذور المريض النفسية وتتجمع أجزاء الصورة.. هو بلا جدال فن معقد لكني أحبه.. وكانت الحالة الجديدة التي تؤرقني هي سوزان.. فتاة في الثلاثين من عمرها غير متزوجة وعلى قدر لا بأس به من الثراء والجمال.. كل شئ فيها كان أسود.. ثيابها.. شعرها.. عينيها.. وكانت تسدل خصلات شعرها على جانب وجهها الأيمن إمعانا في الغرابة.. قلت لنفسي إن هذه الفتاة ممن يعتقدن أن غموض المرأة موضة لها جاذبيتها وغالبا ما يتضح أن هذا الغموض يخفي تفاهة وسطحية لا مثيل لهما.. إن من قرأوا النظارة السوداء لإحسان عبدالقدوس أو أبو الهول الذي لا سر له لأوسكار وايلد سيعرفون على الفور ما أعنيه.. المشكلة هي أن هؤلاء الفتيات مدعيات الغموض يكن دائما فريسة الشعور بالاضطهاد وأنه لا يوجد إنسان مرهف الحس بما يكفي كي يفهمهن.. وفي الغالب هي لم تأت للمحلل النفسي إلا لأنها تراهنّ يفعلن ذلك في السينما ولأن المحلل النفسي جزء من هالة الغموض التي تريد أن تخلقها حول ذاتها.. قلت هذا لنفسي في جزع.. وبدأت أتأهب لساعة من الملل والرغبة في طردها.. لكنها إذ رقدت على الشيزلونج بدأت تتكلم.. وكان ما قالته لي غريبا إلى حد لا يصدق.. اسمها سوزان كما قلت لكم.. واسمحوا لي ألا أذكر باقي اسمها ولا مهنتها لأن الطبيب النفسي لا يحق له أبدا أن يفشي أسرار مرضاه مقرونة بما يدل عليهم.. ومشكلتها كما قالت لي هي أنها..
- بلا مفر.. لا أجد مفرا ولا مهربا منها..
فكان طبيعيا أن أسألها:
- ومن هي؟..
- لميس..
- هل هي عدوة قديمة لك أو شئ من هذا القبيل..؟
- بل أسوأ.. إنها أنا!..
- وهي تعيش بداخلك؟..
- بالفعل.. وتحتل جسدي وتجبره على طاعتها..
وأنا يا رفاق طبيب نفسي عتيد شاب شعري في أروقة اللاوعي ودهاليز الأنا العليا وسراديب ال(هي).. وأزعم أنني رأيت وسمعت كل شئ.. من العجوز الذي تدعوه البعوضة لتحرير العالم إلى الفتاة التي تخشى أن تخنقها البراغيث في فراشها.. لهذا تبينت على الفور نغمة الفصام الشهيرة.. وهي موجودة بدرجات متفاوتة في كل منا بدءا بتناقضات المزاج البسيطة وانتهاء بالصورة القصوى المريعة التي رسمها ر.ل.ستيفنسون في رائعته د.جيكل ومستر هايد.. إلا أنني تركت الفتاة تتكلم:
- أحيانا أشعر بها في أعماقي تتحرك وتقول لي: أنا هنا أيتها الحمقاء!.. أنا حية أعرف خواطرك وأحلامك وهذا الجسد لا يسع سوى واحدة منا.. ولن تكوني أنت هذه الواحدة.. إنني أقوى شخصية منك وأذكى.. إنني أحصل على ما أريد ولا أرتجف خلف الأبواب الموصدة عاجزة عن فتحها.. لهذا لا فرصة لك أيتها الحمقاء.. لا فرصة على الإطلاق..
توقفت عن الكتابة في المفكرة وسألتها:
- وهل نجحت في الاستيلاء على جسدك تماما؟..
- ليس بعد.. لكنني حين يجن الليل وأغرق في النعاس أعرف أنها استحوذت عليّ.. أعرف أنني أغادر الفراش وأتسلل مغادرة الدار لأعيش حياتها الغامضة التي لا أدري شيئا عنها.. إلا أنني في الصباح أجد آثارا كثيرة.. تذاكر قطارات.. بطاقات.. خدوشا في معصمي كأنني كنت أجتاز دغلا كثيفا.. جروحا في أصابعي..إلخ..
- ولم يحدث قط أن عدت للسيطرة أثناء ممارستها لحياتها..؟
اتسعت عينها اليسرى غير المغطاة رعبا وهمست:
- مرات قليلة.. وكنت أجد نفسي في أماكن لا أعرفها.. أماكن غامضة مرعبة لهذا كنت أفر من ذاتي فورا وأترك لميس تتصرف لأنها ما دامت وصلت لهذه الأماكن فهي تعرف كيف تخرج منها..
قلت بصوت رزين محاولا تهدئة أعصابها:
- أماكن مرعبة؟.. هلا أوضحت أكثر..
نظرت لي حيث جلست عند رأسها أدون ما تقول وقالت:
- لا أدري.. مقابر وسط الشواهد الكئيبة.. زقاق خلفي مظلم تعوي فيه القطط السوداء في شراسة.. قفص الأسد في حديقة الحيوان وهو يرمقني في تكاسل متسائلا عما إذا كنت أصلح للعشاء.. محرقة جثث في دولة أجنبية..عشرات الأماكن..
مرة أخرى توقفت عن الكتابة:
- تعنين أنها ساقت جسدك لقفص الأسد؟..
- بالضبط..
- لكننا متفقان على أنه لا يمكن لإنسان أن يدخل هناك فضلا عن أن يخرج.. ألا يعني هذا أن الأمر كله كابوس منك؟..
صاحت في ضيق كأنما أذهلها غبائي:
- نعم.. أنت لا تعرف لميس..
- لكن.. هذا يعني أنها..
- نعم!.. هي شيطانة وأكثر.. بل هي تجيد اختراق الحوائط والسفر عبر المحيطات كل هذا مستعملة جسدي الفاني الضعيف..!
حتى بعد كلماتها الأخيرة لم أشعر بلحظة دهشة.. إن القصة دائما هكذا.. ولقد سمعت أسوأ منها بكثير.. وتفسير العامة الجاهز لهذه القصص هو مس الجن.. أنا مؤمن بالجن طبعا لكننا نعلق على شماعته كثيرا من الاضطرابات النفسية التي يمكن علاجها ومن الممكن أن تكون هذه الحالة واحدة منها.. أخذت أسألها عن بيئتها ونشأتها.. فشعرت بخيبة أمل.. إن سوزان شخصية إيجابية مثقفة بكل ما في الكلمة من معاني ونشأتها لا غبار عليها فلن أجد عقدا ولا إحباطات في حياتها من أي نوع.. وحتى شماعة الإحباط العاطفي التي نعلق عليها المشاكل النفسية لا وجود لها هنا.. لأن الفتاة مخطوبة لشاب مهذب وسيم أعرفه جيدا وأعرف أن فتيات كثيرات كن يتمنين قطع أذرعهن من أجل الفوز به.. إذن ما هي المشكلة؟.. ما هي جذور الفصام في شخصية كهذه؟.. إن المرض العقلي ليس عدوى وليس كارثة قدرية مفاجئة بل إن له أرضا ممهدة في شخصية نسميها نحن أطباء النفس باسم شخصية ما قبل مرضية ثم تأتي الصدمة..
عندئذ يولد المرض النفسي الذي قد يأخذ صورة اختلال طفيف يعرفه المريض ويفهمه ويكافح للخلاص منه واسمه (عصاب).. أو اختلال خطير لا يعرفه المريض ولا يفهمه بل ويكافح كي يقنع الآخرين به.. وهذا الاختلال نسميه ذهان.. وهي تسمية مهذبة لكلمة جنون.. كانت سوزان شخصية قوية تماما.. وكان الحديث معها لمدة ساعتين كافيا لإقناعي بسخف انطباعي الأول عن ادعائها الغموض.. وتدريجيا بدأت أدرك أنها ستكون حالة مرهقة تتحدى ذكائي وخبراتي في علم النفس لكنني بالطبع لم أصدق حرفا مما قالت..
- لهذا أزمعت أن أحضر معي دليلا..
قالتها وهي تعبث في حقيبتها باحثة عن شئ ما فسألتها:
- دليلا على ماذا؟..
- على أنني كنت هناك..
وأردفت مفسرة وهي تطبق يدها على ما كانت تبحث عنه:
- أمس استعدت السيطرة على نفسي.. فوجدت أنني واقفة في قاعة مظلمة تملؤها نباتات الظل.. ولم يكن هناك أحد.. كنت أدرك أنني سأتلاشى بعد ثوان لهذا أمسكت بأول شئ وجدته أمامي ودسسته في جيبي لأتأكد في الصباح من أنني لم أكن واهمة..
- منطق لا بأس به.. وما هو هذا الشئ؟..
فتحت كفها لتريني ذلك الشئ.. فتجمد الدم في عروقي.. لم أستطع أن أصارحها أنني في هذه اللحظة أدركت تماما إلى أي حد هي صادقة.. لا يوجد سوى منديل واحد في مصر كلها يشبه هذا المنديل الذي تمسكه.. منديل سماوي اللون تلوث بعصير المانجو وبه أثر حرق سيجار مشتعل وعليه الحرفان الأولان من اسمي.. لأنه منديلي الذي نسيته في قاعة الجلوس أمس..!
*******************
توقف د.سامي عن الكلام وأخذ يتأمل وجوهنا في استمتاع إذ أثار شغفنا إلى حد كبير.. قال شكري وهو يرشف القهوة التي أعدتها له مدام ثريا كي يحتفظ بحيويته وتحفزه المزعجين:
- لا بأس بتاتا.. لقد نجحت في بعث التوتر في عروقنا.. وأعتقد أن النعاس قد فر من عيون الكثيرين..
قلت أنا وقد بدأ الوعي يتلاشى حتى أنني كنت أجد صعوبة في ترتيب أفكاري:
=هناك العديد من تحدث عن تصوير النباتات.. من هو؟.. وماذا حدث في قصته هذه؟!..
ابتسم الجالسون في رقة.. وتبادلوا النظرات ثم قال د.محمد وهو يربت على خدي:
- صح النوم!.. إن تصوير النباتات هو قصتنا الحالية هذه!..
=حقا؟..و..و..ماذا حدث فيها؟..
- لم يحدث شئ بعد..
=إذن لماذا تحدث.. ما اسمه بالضبط؟.. د.سامي.. نعم.. هو كذلك.. لماذا تحدث عنها؟..
- هذا ما ستعرفه حالا..
قال د.سامي في لهجة معتذرة:
- لم يكن هذا إطنابا يا د.رفعت.. صدقني.. فقط اصغ لباقي القصة..
=حسنا.. قل ما عندك..
*******************
تناسيت هذا الحادث الغريب.. ولم أشعر الفتاة بما يعتمل في ذهني من خواطر سوداء.. على أنني كنت أترقب اليوم الموعود في شغف حقيقي.. لقد انتهى الفيلم الذي ظللت ألتقطه في صبر طيلة أسبوعين وثلاثة أيام وأمكنني أن أعيد تعبئته وإرساله للتحميض.. وبعد ثلاثة أيام وصلني مظروف به ستة وثلاثين كادرا شفافا فقمت بترتيبها بحسب رقم اللقطة في منصة العروض الدائرية للفانوس السحري.. وناديت ثريا التي أعدت لي كوبا من الليمون إمعانا في الاستمتاع والتلذذ بالحدث الذي جعله خيالانا ديناصوريا.. أطفأت النور وأضأت كشاف الجهاز فارتمت الصورة على الشاشة تظهر أكبر عدد من نباتاتنا الحبيبة.. وبدأت أتأمل الكادرات ببطء في البداية على أن أزيد سرعة التحريك فيما بعد حين أتأكد من جودتها جميعا.. وكانت ثريا أول من لاحظ.. في الكادر السابع كان ثمة شئ غير مألوف.. ووجمنا ونحن نرمق ما نراه عاجزين عن تفسيره..
- هو جزء من ساعد وأصابع يد..
قالتها ثريا ووثبت إلى الشاشة لتشير بإصبعها شارحة وجهة نظرها تلك الوجهة المعقولة إلى حد كبير.. فمن طرف الكادر الأيمن كان هناك شكل مبهم لقربه من العدسة لكنه يتشكل في صورة ساعد ويد مفتوحة الأصابع.. إن هذا غريب!..
- هل هي يدك؟..
- أنت تعرف أن هذا الركن محرم علينا منذ بدأت مشروعك..
- إذن يد من هي؟..
- يد شخص مر أمام الكاميرا في العاشرة من مساء اليوم الثالث..
- وهل هذا طبيعي؟..لا يوجد سوانا في هذا البيت..
- استمر في العرض وسنرى..
وفجأة عند الكادر السابع عشر لمحنا شيئا آخر.. كان هناك كتف.. نعم كتف يدخل من إطار الكادر الأيسر.. وكالعادة بلا تفسير.. وتوالت الكادرات.. الكادر الحادي والعشرون كان يظهر شيئا قريبا من ظهر فتاة ترتدي ثيابا سوداء تماما أما الكادر الثلاثون فكان ظلاما كله كأن هناك من كان يقف أمام العدسة.. ما معنى هذا؟.. معناه أن هناك من يتسلل إلى دارنا.. وهذا التسلل حدث في العاشرة مساء من اليوم الثالث واليوم الثامن واليوم العاشر واليوم الخامس عشر من بدء التجربة..
- لقد خرجنا في اليوم الثالث لزيارة آل محفوظ..
- بل آل منصور..
- وخرجنا في الأيام التالية جميعا..
قالت ثريا وهي تتأمل إحدى الصور:
- معنى هذا أن هناك من كان ينتهز فرصة مغادرتنا للدار كي يدخلها..
شردت نظرتي وأنا أقلب في ذهني الاحتمالات:
- ولكن.. هل سرق شئ من الفيللا؟..لا أظن..
- لم يسرق شئ.. أنا واثقة..
عدت أفكر بصوت عال:
- إذن لماذا يتسلل أحد للفيللا؟.. ثم تخيلي أنك لصة لا سمح الله ودخلت إلى دار غاب أهلها ثم.. هوب.. يسطع فلاش الكاميرا وتعرفين أنهم أعدوا طريقة ما لالتقاط الصور أوتوماتيكيا.. عندئذ ماذا تفعلين؟..
- بالطبع أحاول تدمير الكاميرا أو الفيلم لأن عليه دليل تسللي أو أفر من الدار ولا أعود لها أبدا..
- لكن المتسلل لم يفعل هذا.. فما سر ذلك؟..
لم تجد إجابة.. وكذا أنا.. ظللنا صامتين نرمق الكادر شاردي الذهن.. ثمة خطر يتهددنا لكننا لا نعرف كنهه.. شرخ في جدار أمننا يتسع ببطء.. وبالطبع نسينا كل شئ عن تجربة النباتات!..
*********************
لم يكن منطقيا أن نبلغ الشرطة.. إذ لم يسرق شئ من الفيللا على الأقل في الوقت الحالي.. المنطقي هو أن نتأكد من غلق الأبواب والنوافذ بإحكام عند مغادرتنا لها والمنطقي كذلك أن نعيد التجربة مع شئ من سعة الأفق.. أما المنطقي أكثر من كل هذا هو أن نخرج ثم نعود للفيللا في كبسة مفاجئة في العاشرة مساء.. ولقد نفذنا كل هذا بدقة تماما.. ونقلنا الكاميرا إلى ركن قصي من الصالة يتيح لها التقاط صورة شاملة لكل ما يحدث وبالتالي لن تحوي الصور القادمة أجزاء من فتيات غامضات بل الفتيات أنفسهن.. وفي اليوم الأول تعمدنا الخروج محدثين أكبر ضجة ممكنة ليعرف من يراقبنا أننا خرجنا.. ولم نعد في العاشرة مساء لنترك فرصة أكبر للمتسلل.. أما في الأيام التالية فكنا نعود في أوقات مفاجئة لكننا كما هو واضح لم نلق ما يريب.. وبعد خمسة أيام أخذت الفيلم لتحميضه على صور هذه المرة وليس شرائح فانوس سحري وذلك لنسهل تداولها ودراستها.. فماذا تتوقعون كانت النتيجة؟.. نعم.. هو كذلك.. لم يظهر المتسلل سوى في الصورة الأولى.. أي أنه لم يأت سوى مرة واحدة أو هو توقع عودتنا في المرات التالية فلم يأت.. كانت الصورة مألوفة لي.. مألوفة تماما.. الغريب هنا أنها كانت تقف في مواجهة الكاميرا في ثقة مزعجة.. كانت تعرف أن صورتها تلتقط.. وتريد أن تظهر استهانتها بنا.. الثوب الأسود والشعر المنسدل يغطي نصف الوجه والوقفة الشامخة.. ألم تعرفوها بعد؟.. هل نسيتم قصة المنديل؟.. إنها سوزان طبعا.. أم هل أقول لميس؟!..
******************
في هذه المرة قمت بإبلاغ الشرطة.. وكان ضابط البوليس هو عادل ولعل هذا هو سر صداقتنا.. وأنتم لم تنسوا بعد استشارته لي في قصة المرآة المسحورة إياها.. وكان عادل نشيطا بل جم النشاط.. خطته انقسمت إلى جزءين: الجزء الأول هو العثور على الفتاة ومواجهتها بصورتها وهذا سهل لأن لدي اسمها وعنوانها ورقم تليفونها.. الجزء الثاني هو تدبير كمين لها في ليلة نغادر فيها الفيللا.. لكن الجزء الأول كان سلبيا.. لأن الفتاة تعمدت إعطائي معلومات مزيفة عن بيئتها وحتى خطيبها الذي كنت أعرفه لم يكن خطيبها ولم يرها في حياته.. هكذا أخبرني في النادي.. كانت تكذب بإحكام لتملك هي زمام المبادأة.. فلا تراني إلا حين تريد هي.. أما الجزء الثاني فلم يسفر عن شئ بعد أسبوعين من مراقبة الفيللا.. ولولا الصورة لاعتبرني عادل مخرفا.. لقد ذابت الفتاة.. تبخرت..
- لكنها لم تؤذك ولم تسرقك!..
قالها عادل مواسيا فصرخت في حنق:
- وهل هذا سبب كاف كي أشعر بالسعادة إذ تدخل الفيللا كل ليلة لتفتشها ركنا ركنا؟!..
- ثم.. كيف تدخل؟..
في حنق نظرت له وتنهدت هامسا:
- أنت لا تعرف لميس!..
*********************
وقضيت وثريا أياما سوداء كقلب الكافر.. الشرخ في جدار أمننا صار أخدودا.. ثم صار فالقا جيويوجيا يوشك أن يبتلع حياتنا كلها.. لو أخذنا بظاهر الأمور لأيقنا أن الفتاة صادقة في كل حرف قالته لي وأن هذه ال(لميس) تأخذها بعيدا عن كل قوانين الطبيعة إلى أماكن غير عادية ولم تكن الفتاة كاذبة حين وصفت لي قاعة الجلوس في الفيللا بدقة.. بل وكان معها دليل مادي لا يُدحض.. ثم جاءت صور الكاميرا لتدعم القصة.. وهنا يتساءل أحدكم لماذا بيتي بالذات؟!.. إن الإجابة غير مشجعة على الإطلاق.. متشبثين بحبال الطب النفسي إلى النهاية فتذكر أن الشخصية الثانية في حالات الفصام تمقت المعالج بشدة باعتباره يحاول تدميرها لصالح الشخصية الأولى.. وهكذا يسهل معرفة سر زيارة لميس المتكررة لداري.. إنها بدقة علمية ترغب في الخلاص مني.. أو هي تدبر لي شيئا ما سيكون وبالا فوق رأسي.. والفالق يتسع أكثر..
****************
وفي تلك الليلة.. كانت عقارب الساعة تدنو من العاشرة.. وكنت أنا مختبئا خلف مقعد في قاعة الجلوس.. نعم هو ذلك الكرسي الذي تجلس فوقه يا د.رفعت.. كنت أنتظرها ولم أتوقع أنها ستأتي.. لكنها جاءت.. وفي ضوء القاعة الخافت لمحت ثوبها الأسود ووسط الصمت المطبق سمعت حفيف ثوبها وقرعات كعبيها.. كانت تسير في تؤدة.. وانتصب شعر رأسي.. لم يعد هناك مجال للشك في حقيقة الأمر.. إن هذه الفتاة قد خرقت كل حواجز الطبيعة واجتازت كل الأبواب المغلقة والنوافذ الموصدة لتكون هنا.. إنها شئ ولا يمكن أن تكون كائنا بشريا.. وفي ذعر امتدت يدي إلى مفتاح النور فساد الضوء المكان.. رفعت وجهها نحوي في بطء.. وابتسمت ابتسامة غامضة.. كانت شاحبة.. لكنها هي هي.. ذات الملامح والشعر المنسدل لكن في ملامحها كانت هناك قسوة غير عادية..
- سوزان!..
كذا ناديتها فلم يبد عليها أنها سمعت شيئا..
- لميس!..
بدأت تستجيب أخيرا وفي برود كلوح ثلج يتهشم تساءلت:
- أنت؟..
- بالطبع أنا..
ارتسمت ضحكة وحشية على ثغرها وبدأت تسير نحوي في تؤدة..
- جئت أراك وأسألك.. لماذا تريد قتلي؟..
- أنا؟.. ولماذا؟..
- من أجل تلك المخلوقة التافهة سوزان.. انظر!.. هي لا تخترق الجدران ولا تطير ولا تلتهم النيران.. أما أنا فأفعل..!
وتقلص وجهها وهي تواصل التقدم نحوي وأردفت:
-إنك قد اخترت المعسكر الخطأ..
ولمحت نصل سكين يلتمع في يدها كانت أخرجته من حزامها الفضي..
- وعليك أن تدفع الثمن!..
صحت وأنا أثب للوراء محاولا أن أطيل اللحظة الفاصلة قدر الإمكان وحتى لا أستسلم للهلع:
- لميس!.. كفي عن هذه اللعبة!..
- أية لعبة؟..
- لعبة الجنون.. إنك ترين الكثير من الأفلام وتعتقدين أن الفصام يزيد من غموض المرأة وسحرها..
وازددت تراجعا للوراء محاذرا أن أصطدم بقطع الأثاث:
- لكنك لن تخدعيني أبدا..
همست بصوت كفحيح الأفعى وهي ترفع السكين:
- كنت أنتظر هذه اللحظة.. لكني شئت أن أفزعك أولا.. أن أتركك تتساءل عن كنه ضيفتك الغامضة أياما وأياما..
وانقضت علي صارخة بالفرنسية (دون مبرر في الواقع):
- لقد انتهت الكوميديا!..
كانت قد صارت في النقطة المناسبة تماما.. وحين لمست الحبل وانطلقت مجموعة الميكانيزمات المعقدة التي أعددتها لها في صبر وحين سقطت شبكة الصيد المعلقة بإحكام من السقف لتكبل حركتها.. كنت آمل ألا يكون الفكاك من الشباك جزءا من مواهبها الخاصة.. أجل هي طريقة بدائية شبيهة بأساليب قبائل الزولو في صيد النمور لكنها كانت تعمل بكفاءة ولقد قضيت أربع ساعات مع ثريا صباح اليوم نجرب إمكانات هذا الاختراع ثم تظاهرنا بالخروج بسيارتنا في التاسعة مساء توطئة لأن أعود أنا متسللا أنتظر الزائرة.. الزائرة التي تتلوى في شباكها كالنمر دون أية مبالغة أدبية.. لو لم نكن في المدينة مكبلين بالقوانين لطعنتها برمح واسترحت بالا.. لكني مرغم على طلب الشرطة للأسف وبسرعة قبل أن يتمكن هذا الوحش الكاسر من تمزيق سجنه بالسكين وعندئذ يعلم الله وحده ما قد يحدث..
***********************
وجاء رجال الشرطة وحملوها كالخنزير البري الهائج إلى المكان الأخير الباقي لها كي تذهب إليه.. وقالوا لي أنني نجوت بأعجوبة وأن الزملاء في مستشفى الأمراض العقلية سيواصلون مسيرتي وقالوا أنهم آسفون على عدم تصديقي في بدء الأمر لأنهم لم يملكوا خيطا واحدا يقودهم إليها.. قالوا هذا وسمعته.. لكني كنت أدرك أن المأساة لم تنته بعد وأننا لم نصل للنهاية السعيدة المطلقة التي تختتم بها الأفلام السينمائية.. إن في القصة جانبا غير مادي لم يتضح بعد.. إذ كيف دخلت هذه الشيطانة إلى داري عشرات المرات؟!..
****************
ومرت الأيام في هدوء تام.. وكنت أتردد على عيادتي بانتظام كما هي العادة.. إلى أن جاء ذلك اليوم.. ذلك اليوم الذي فتح فيه الباب ولمحتها داخلة.. كانت أسنانها النضيدة البيضاء تنفرج عن ابتسامة مشرقة معسولة وكانت ترتدي ثيابا زاهية اللون وقد عقصت شعرها.. أما أنا.. لا داعي لوصف ما حدث لي لحظتها.. لقد وثبت مترا إلى الوراء ومترين لأعلى.. وقفز قلبي إلى حلقي كالبرغوث.. صحت في صوت مختنق:
- أنت؟..
هزت رأسها يمينا ويسارا في مرح وهتفت:
- افتقدتني؟.. كنت مشغولة إلى حد ما..
وجذبت كرسيا وجلست عليه وقد وضعت حقيبتها على ساقيها كأن شيئا لم يحدث وكأنها بانتظار لحظة البدء..
- لحظة من فضلك..
وبيد مرتجفة مددت إصبعي لقرص التليفون وطلبت رقم مستشفى الأمراض العقلية فردت علي ممرضة ملول فسألتها عن د.صابر صديقي.. وبعد دقائق سمعت صوته يتساءل عما هنالك.. خفضت صوتي إلى درجة الفحيح وهمست:
- د.صابر.. هذا أنا.. سامي.. نعم.. بخير.. كلهم على ما يرام.. لا وقت للاجتماعيات من فضلك!.. قل لي.. متى خرجت تلك الفتاة من عندكم؟.. الفتاة المصابة بالفصام..
سمعت صوته المعدني من السماعة يهتف:
- من؟.. تعني سوزان أو لميس؟.. بالتأكيد هي ما زالت في ضيافتنا فمن قال أنها خرجت؟!..
- مـ.. متأكد؟..
ضحك لثوان ثم سمعت صوته الواثق يردد:
- طبعا!.. بل إنها جالسة في مكتبي في هذه اللحظة.. هل تريد أن تحدثها؟.. هاك هي!.. د.سامي يريد أن يحييك يا سوزان!..
رفعت عيني إلى الجالسة أمامي وكانت ترمقني بنظرة ثابتة فيها سخرية خفيفة على حين سمعت الصوت المألوف في السماعة:
- د.سامي!.. كيف حالك؟.. أريد أن أعتذر عن كل الإزعاج الذي سببته لك!.. إنهم هنا طيبون حقا وإنني لأتحسن باستمرار..هيه!.. د.سامي!.. لا تحقد علي.. لماذا لا تجيب؟!..
في بطء أعدت السماعة لموضعها ورفعت عيني نحو الجالسة أمامي..
- ما بك يا د.سامي؟.. كأنك ترى شبحا!..
قالتها بنفس النظرة الغامضة الساخرة.. وهنا تصلب جسدي.. ووقفت ببطء شديد.. وبصوت لم أعرف أنه صوتي سألتها:
- من أنت؟..
- هل تمزح؟..
- بل ما أنت؟!..
- ياله من سؤال!.. أنا سوزان بالطبع..
- إذن من هي نزيلة المستشفى؟..
قالت في بساطة وهي تنقل ساقا فوق ساق:
- وهل هناك نزيلة في المستشفى؟..
كنت قد انتهيت تماما.. ولم أدر تماما حقيقة ذلك الذي أفعله لكني كنت أضرب المكتب بقبضتي وأصرخ:
- اسمعيني أيتها الفتاة!.. أنا لن أتحمل أكثر!.. ابحثي عن أحمق غيري تتسلين عليه بألاعيب.. أما أنا فقد انتهيت تماما..
وكانت هي محافظة طيلة الوقت على وقار جلستها.. مكتفية بأن تطقطق بشفتيها في تصعب عبارات من نوع: كذا؟.. حقا؟.. ياللخسارة!.. وكنت قد وصلت للنهاية فأرجعت ظهري للوراء وغطيت وجهي بكفي ولذت بالصمت.. ساد السكون الثقيل اللزج بضع دقائق.. ثم رفعت وجهي نحوها وهمست:
- اذهبي!.. أنا لن أستطيع معاونتك!..
- ولكن..
- اذهبي عليك اللعنة!..
نظرت لي لحظة ثم أنها جمعت حقيبتها واتجهت للباب في تؤدة وكبرياء.. وعلى الباب استدارت ونظرت لي نظرة خاوية من المعنى ثم أغلقته وراءها..
*********************
في الصباح التالي على مائدة الإفطار بدأت أشعر بالتحسن.. كأن حملا ثقيلا انزاح عن كاهلي.. وهنا سمعت زوجتي تقول وهي تضع الصحيفة أمامي:
- هل قرأت هذا الخبر؟..
توقفت عن المضغ وأنا لم ألمح صورة سوزان في ركن الخبر العلوي.. ولم تكن عيناها مفتوحتين بل مغلقتين.. وخصلات شعرها الأسود كالمبتلة تغطي أكثر وجهها.. كانت ميتة.. ميتة جدا!.. وبيدين مرتجفتين وعينين زائغتين عرفت أنها وجدت غريقة في النيل وأنهم لم يعرفوا من هي قط.. أنا فقط كنت أعرف.. أنا الذي بادرت بالاتصال بالمستشفى سائلا عنها والجواب كما توقعت هو أنها اختفت أمس في السابعة مساء.. زنزانتها أو حجرتها كما قالوا كانت محكمة الغلق لكنهم لم يجدوها بالداخل وفتشوا كل مكان دون جدوى.. لكنهم لم يعلموا أنها في أعماق النيل في تلك اللحظات..
*****************


وتبقى أسئلة بلا جواب..
هل انتحرت سوزان لتستريح من المس الشيطاني الذي أصابها والذي لم يعد لدي شك في وجوده؟..
أم أن لميس حاولت أن تسبح بهذا الجسد الذي لا يجيد السباحة في مغامرة طائشة أخرى من مغامراتها..؟
ومن هي التي جاءتني بالأمس؟..
هل هي سوزان أم لميس؟..
ومن هي التي كانت في المستشفى؟..
وكيف وصل الفصام إلى درجة انقسام الجسد المادي ذاته؟!..
إن رأسي ينفجر..
بل الأدهى هل هلكت فعلا أم أنها حاولت إقناعنا بذلك؟..
التفسير الوحيد لكل هذا هو المس الشيطاني -نعوذ بالله من الشيطان الرجيم- الذي أصاب تلك الفتاة وبالتالي خرج الأمر من دائرة المنطق والماديات إلى آفاق ما وراء الطبيعة..
ولا داعي للقول أن الكابوس سيعيش حيا فينا ما حيينا..
وأنني حتى اليوم أترك الكاميرا من حين لآخر كي تلتقط صورا تلقائية للقاعة عند خروجنا فقط لأتأكد من أنها لم تعد..
*********************
لقد ظنت البائسة أن شفاء المريض من جرثومة الدرن لا يكون إلا بقتله!..
ربما كان هذا سخفا..
وربما كان جنونا..
لكني لا ألومها كثيرا..
لقد كانت مريضة..
وطلبت العلاج..
لكن الطبيب لم يدر كيف يتصرف..
نسيت أن أقول لكم شيئا أخيرا..
إن الصور التي التقطناها لها قد مرت بنوع غريب من التحلل العضوي فلم يعد لها أثر..
لقد رحلت الزائرة بعيدا حاملة كل ما قد يذكرنا بها..!..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
11- حلقة الرعب - الحلقة الرابعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الأولى
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الثانية
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الثالثة
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الخامسة
» 11- حلقة الرعب - الحلقة السادسة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: