كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 11- حلقة الرعب - الحلقة الثانية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

11- حلقة الرعب - الحلقة الثانية Empty
مُساهمةموضوع: 11- حلقة الرعب - الحلقة الثانية   11- حلقة الرعب - الحلقة الثانية Emptyالجمعة فبراير 02, 2018 2:01 am

القصة الثانية .. لماذا ارتجف القط .. يحكيها د. محمد ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت سهام وهي ترشف الكاكاو:
- ماذا تقولون عن هذه القصة؟..
قالت هويدا مبتسمة:
- إذا ما تناسينا أنني لا أعرفها بتاتا يمكن القول أنها غريبة .. لكنها غير مرعبة ..
قلت وأنا أشعل سيجارة أخرى:
=بالعكس .. هي مرعبة لكنها غير غريبة .. إن كوابيس المرآة قديمة قدم المرآة نفسها على أن إحساس الناس بالرعب يتفاوت بتفاوت سعة خيالهم ..
ونظرت نحو د. سامي مبتسما:
=إذن أنت تعرف هذه القصة .. وظللت صامتا كل الوقت ..
- الرجل المهذب هو من يتحمل سماع النكتة لنهايتها قبل أن يعلن أنها قديمة ..
=كلام لا بأس به..والآن فليقل د.محمد شاهين قصته..
أجفل الرجل الطيب - وكان موشكا على النوم - وصاح في ارتباك وهو يعتدل:
- ماذا؟.. ولماذا أنا بعدها؟..
=إنها الحروف الأبجدية.. سهام ثم محمد..
- آه.. إذا كان الأمر كذلك.. إن قصتي..
ثم تذكر شيئا.. فنظر لي معاتبا.. وهتف وقد تبين أنني أتلاعب به..
- أية حروف أبجدية؟.. لو كان هذا صحيحا لبدأت مدام ثريا ثم د.رفعت..ثم..
كدت أموت غيظا فقلت له:
=إذن.. الرتيب بحسب السن..!
تنهد في ارتياح وقال:
- ما دام الأمر كذلك لا مشكلة هنالك.. والآن أصغوا لي..
********************
قال د.محمد:
- كما قلت لكم من قبل.. إن غرائز الحيوان لها هيبة واحتراما في نفوسنا نحن البشر
الذين أوهنت الحضارة حواسنا.. إن الحيوان يرى أفضل منا ويشم أفضل منا ويسمع أفضل منا.. أما الأهم فهو أن الحيوان يملك حاسة الخطر.. الحاسة التي لا نملك منها سوى النزر اليسير أو لا نملكها على الإطلاق.. كنت طالبا قرويا بسيطا أعيش في القاهرة المدينة الصاخبة القاسية التي لا ترحم.. كانت الحرب قد انتهت منذ أعوام واستسلمت ألمانيا.. وكانت هناك حركات ثورية تغلي واضطرابات وآمال كبار.. لكني كنت بعيدا عن كل هذا في قوقعتي الخاصة.. كان رفاقي في الجامعة يثرثرون ويرافقون الفتيات ويمرحون ويتأنقون.. لكني كنت منزويا في حياتي.. والأمل الخافت الذي لا ينفك يراودني: ستفخرون يوما أنكم عرفتموني.. أي ضير في أن تسخر الفتيات من حذائي؟.. لقد سخرت فتاة من بنيامين فرانكلين يوما ما وأطلقت عليه الكائن العجيب ثم لم تلبث أن قبلت بكل فخار أن تكون زوجته حين صار المصلح والعالم الأمريكي الشهير.. أي ضير في أن يتهكم الشباب على ثيابي؟.. إن بيتهوفن كان كريه الرائحة قليل الاستحمام.. وألكسندر دوماس كان قبيحا كقرد.. وحتى أينشتاين اتهمه مدرسوه بالتخلف العقلي.. كنت واثقا أنني أصنع نفسي.. وكنت أجد ما بين صفحات الكتب ما ينسيني عذاب اللحظة.. لكن شعورا واحدا كان يمزق فؤادي.. الوحدة.. الوحدة المريرة التي لن أتحملها يوما آخر بأي حال.. كنت أعيش في غرفة حقيرة في أحد أحياء القاهرة الشعبية.. وكانت بعض أسر العمال تسكن جواري فلم يمنعني هذا من إدراك أية متعة يعيشها هؤلاء البؤساء بين أسرهم.. صوت الضحكات.. لعب الأطفال.. الشجار.. عبارات السباب.. كل هذا كان يمزقني تمزيقا.. وحتى قشور البطيخ الملقاة في الزقاق كانت تؤلمني.. فهي كميات أكبر بكثير مما يستطيع شخص واحد أن يلتهمه.. كنت أحيا في هذا الجحيم.. وبدأت أفهم لماذا يتزوج البشر.. إنه الضمان الوحيد كي تجد إنسانا آخر ملكك لا يتركك وحيدا أبدا.. كنت غارقا في لجة الكآبة حين قابلت جمعة.. كان صغيرا بحجم قبضة اليد قذرا كمصرف للمجاري شرسا كالنمر جائعا كسمكة وليدة تعسا كالشيطان وحيدا مثلي.. هنالك أمام بابي وجدته..
مجرد قط وليد منبوذ يرتجف بردا وجوعا ويموء بتلك الطريقة الصامتة الواهنة التي تجيدها القطط وتسلب بها قلوبنا.. حملته إلى الحجرة ووضعته في سلة الخبز الفارغة التي أرسلتها لي الحاجة من قريتي وأحضرت له بعض الفاصوليا التي كنت قد طهوتها لنفسي فأعرض عنها في اشمئزاز مبديا رأيا لا بأس به في طهوي.. فتحت له علبة من السمك المحفوظ وشرعت أضع أمامه قطعا منها فذاقه بلسانه أولا ثم بدأ يأكل.. حين انتهى راح يلعق أسنانه بلسانه فحملته في قبضتي إلى صنبور الماء وغسلت جسده وسط محاولات إفلاته المضحكة وموائه الرفيع - من حسن الحظ أننا كنا في يوليو لأن غسيل القطط الصغيرة تحت الصنبور خطأ قاتل- ثم جففته وشرعت أرمق شعره الثائر المحتشد في أشواك.. وكان هذا هو الحب الأول في حياتي.. أسميته جمعة لأنني كنت مثل روبنسون كروزو وحيدا في جزيرة قصية إلى أن وجد صحبة وهذه الصحبة كانت بدائيا في يوم جمعة فأسماه فرايداي بنفس الاسم.. لقد غير جمعة حياتي تماما.. صار لي هدف أحيا من أجله وأعود لداري من أجله.. كان يرقد على قدمي حين أنام.. ويلعق وجهي مع شعاع الفجر الأول.. ويرتمي على ظهره معابثا خفي.. ثم يتربع على مكتبي الحقير أمامي مصدرا ذلك الهرير الرائع المنتظم.. الواقع أنني كنت أملك يقينا لا يتزعزع أن هذا القط هو أخي.. فقط هو مصاب بعيب خلقي بسيط يجعله يمشي على أربع ويأكل السمك ويموء ولابد لي أن أقبله كما هو لأني أحبه!.. ظلت الأيام تدور بنا.. وفي الأوقات القليلة التي كنت أفارقه فيها إلى قريتي كنت أعطي مفتاح الحجرة لآمال ابنة الجيران كي تطعمه.. كان هذا في الفترة السابقة للقائي بداغر.. اسمه عجيب أعلم ذلك.. لكن وجهه اكثر غرابة.. فهو شاحب اللون رمادي العينين تتطاير خصلات شعره الأبيض في الهواء.. ضخم مهيب.. وكانوا يقولون أنه من أصل تركي يبرر مظهره غير المألوف واسمه العجيب.. وكان من أوائل الشباب الرقيع الذي تخلى عن الطربوش.. وبرغم أن كثيرين قد حذوا حذوه في تلك الأيام - أواخر الأربعينات - إلا أنه كان أولهم.. قابلته في الجامعة يدرس الفلسفة.. كان على النقيض مني في كل شئ.. ولن أشرح كيف.. لكنه كان شخصية مغناطيسية يلعب ذات الدور الذي تلعبه البللورة الصغيرة حين تعلقها في سائل مشبع.. إنه مركز تبلور وآراؤه وكلماته تغدو هي الرأي العام بعد أيام من قولها.. ومن اللحظة الأولى أدركت أنه لن يكون صديقي.. لكن داغر أصر على العكس وكان له ما أراد..
**********************
كنت جالسا في المكتبة أطالع بعض كتب علم الأجناس حين وجدته يتخذ مقعده جواري.. العطر الغريب الذي يذكرك بشئ لا تدري كنهه وأنامله الدقيقة كأنامل أفضل عازفي البيانو.. قال لي وهو يقلب صفحات كتاب:
- إننا زميلان.. هل تعرف ذلك؟.. إذن لماذا لا نتعرف؟..
- محمد شحاتة.. من إحدى قرى القليوبية..
ابتسم في شئ من الرقة الممزوجة بالتهكم وقال:
- اسمي داغر.. داغر السفير.. وعلى كل حال أنا لم أطلب معرفة محافظتك..
- هي العادة لا أكثر..
وبدأنا نتحدث.. كان مسليا وواسع العلم لكني لم أستطع أن أحبه.. نفور لا سبب له ينتابني تجاهه وهو ذلك النفور الذي فسرته بحقدي المحتوم على طالب مثله يملك كل شئ.. لكنه كان لزجا كالذبابة.. كانت نظراته محملقة ثابتة إلى درجة مزعجة تسلبك حريتك تماما.. الخلاصة أنه كسب أرضا بعد هذه المحادثة وصار من حقه أن يجذب مقعدا إلى جواري في أي مكان أجلس فيه دون أن أتمكن من الاعتراض.. هل هو اجتماعي إلى هذا الحد الذي يحرص معه على ألا يفلت طالب من دائرته؟.. أم هو يتسلى بهذا النمط الساذج الغريب الذي كنته؟.. إن لديه أصدقاء كثيرين ويمكنه دائما أن يشغل وقت فراغه.. بل إنه - صدق أو لا تصدق - طلب زيارة داري.. كدت أجن.. وطفقت أولول وأصرخ وأؤكد له أن داري ليست دارا بل هي أقرب إلى الحظيرة أو السوق أو مخزن الكرار وأنه حتما لن يحب رؤيتها فضلا عن دخولها فلا داعي لهذا التودد إلا أنه ابتسم في لزوجة وأكد لي:
- إنني على غير ما تحسب.. وجميع الأماكن عندي سواء..
- ما دمت مصرا.. على الأقل سأجد لك كوبا مكسورا هنا أو هناك يصلح لتشرب فيه شايا..
- كما تريد..
*******************
وفي مساء الأربعاء أولجت مفتاح الباب في القفل.. ودخلت الغرفة ومعي هذا الأخ المتودد.. وشرعت أزيح الزجاجات المكسورة والخرق وعلب السمك المحفوظ الفارغة التي تسد طريقه إلى المقعد الخشبي الوحيد..
- ليست غرفتك بشعة إلى هذا الحد.. تبدو لي كغرف الرسامين التأثيريين في مونبارناس..
لم أفهم هذه العبارة لكنها أكدت لي أنه قد سافر إلى هذه الـ..الـ..مومبراس كثيرا ولابد أنه مكان رائع فيما عدا غرف الرسامين التأثيريين القذرة التي تملؤه.. ما علينا.. سأعرفه بأخي السنوري جمعه الذي سيعطي لحديثنا أرضا أوسع.. خاصة وكل الناس مولعون بالحديث عن الحيوانات والأطفال..
- جمعة.. أين أنت؟.. أيها الهر السخيف..
- هل لديك قط؟..
سألني وقد تبدل تعبير الارتياح المرتسم على وجهه.. لا أكذب إذا ما قلت أنه بدا قلقا ومتوترا.. سألته في مداعبة واضحة:
- يبدو أنك لا تحب القطط؟..
- ولا الحيوانات عموما..
- ولكن صبرا حتى ترى جمعة..
وركعت تحت الفراش باحثا عن ذلك القط العنيد.. كان هنالك في الركن المظلم متكورا حول نفسه وقد انتفشت شعيراته والتمعت عيناه في الضوء كفيروزتين وكان يصدر زئيرا متوترا غير عادي.. فلما مددت يدي نحوه أصدر فحيح الأفعى.. إن هذا القط خجول أكثر مما توقعت.. امتدت يد داغر إلى ظهري حيث انحنيت راكعا تحت الفراش.. وسمعت صوته الرخيم العميق يغمغم:
- دعك منه الآن..
فليكن.. وعدت أزحف على ركبتي خارجا ووقفت على قدمي أمام الفتى الذي مد يده يزيل شيئا ما من على ذقني ويبتسم:
- وجهك غارق في الغبار وخيوط العنكبوت..
- لقد أنذرتك..
وعلى السقف تحرك صديقي البرص مغادرا داره ما بين ألواح الخشب التي تدعم الحجرة وهو حدث غير مألوف في هذه الآونة من العام لكنه حدث وأرجو ألا يلاحظ ضيفي ذلك.. دعوته للجلوس فجلس على مكتبي المتهالك الذي أدرس عليه كيف أكون أعظم إنسان في العالم وبدأ يتحسس كتبي بيد فضولية..
- تدرس كثيرا..
- ليس لدي عمل آخر..
- قراءاتك متنوعة..
- إنه ذلك الظمأ المقدس للمعرفة..
وشرعت أعد له كوبا من الشاي مكتشفا في كل ثانية أية حياة حقيرة أحياها وأية هاوية أنا مترد فيها وهو الاكتشاف الذي كان يعاودني كلما زارني أحدهم.. لا يوجد براد نظيف.. لا ملعقة غير صدئة.. لا كوبا غير مشروخ.. تبا لها من حياة.. على أنه لم يبد مهتما بكل هذا.. بل إنه أخذ كوب الشاي بتؤدة ونوع من الامتنان.. ثم أخرج علبة سجائر جلدية أنيقة وناولني إحداها فرفضت شاكرا:
- لا أدخن.. شكرا..
- أنت لا تدخن.. وتقضي الوقت في الدراسة.. إنك نموذج الطالب المجد الذي كنا نرى صورته في كتب المطالعة الابتدائية..
سرني هذا المديح لكني فطنت إلى أنه كان يتهكم إذ أردف:
- وطبعا تتوقع أنك تبذر بذور مجدك وأن هذه الغرفة هي الشرنقة التي ستحلق منها فراشة آمالك..
- لا أدري.. لكني أحاول..
قال لفظة فرنسية لم أدر معناها لكنها بالتأكيد تحمل معنى الهباء أو كما نقول كان غيرك أشطر.. ثم إنه رشف جرعة شاي وقال:
- أنت غارق في الحلقة الدرامية الشهيرة.. من لا يستحق يجد ومن يستحق لا يجد ومن الحمق أن تظن أن هذه الحلقة كانت تنتظرك دون ملايين البشر كي تحطمها..
آه!.. ها نحن أولاء قد بدأنا نغمة التعالي.. هو ذا ذلك المدلل ابن المدينة يحاول بمقص من منطق أن يزيل جناحي..
قلت في فتور:
- لكني أحاول.. أليس كذلك؟..
لمس نغمة الجفاء في صوتي فقرر أن يتبسط قليلا وبدأ يثرثر عن العقاد وطه حسين ومعارك الأحزاب.. إلخ.. ليت كلب الجيران يكف عن النباح لحظة.. ماذا دهاه هذا المخبول.. مضت لحظات ونباح الكلب مستمر ويتعالى.. مع صوت سباب من جاري أبي آمال يصف كلبه بأقذع الصفات.. توتر داغر بعض الشئ وبدا أنه غير قادر على الاستمرار.. ثم كور بقايا سيجارته ورمى بها أرضا وقال:
- سنواصل حديثنا في وقت آخر.. وتذكر أنت تستحق ما هو أفضل..
****************
حين عدت لغرفتي شعرت بروحي تضيق حتى لتتصاعد إلى السماء.. لقد نجح هذا الوغد في إفساد التعود الذي كنت أستعين به على حياتي ورغم أنني ريفي فإن دارنا كانت أجمل وأنظف من هذه الغرفة مئات المرات.. لا تظلموني يا رفاق.. ربما أنا ضعيف الشخصية أو طيب القلب لكن ليس إلى هذا الحد.. ومهما كان أحدكم يحب زوجته فهو خليق بأن يمقتها إذا ظل هناك من يقبحها في عينه ليلا نهارا.. إن الرضا كوب من الحليب تكفي ذبابة انتقاد واحدة كي تعكره إلى الأبد.. أما المشكلة الحقيقية فكانت مع جمعة.. إن هذا الهر الأبله كان متوترا متحفزا بشكل غير عادي بل إنه ظل يرتجف طيلة الساعتين التاليتين وعزف عن الأكل حتى كدت أموت رعبا عليه.. كانت العاشرة مساء حين قرعت آمال الباب.. ابتسمت في رقة معتقدا أنها جاءت بعذر مختلق لمجرد أن تتبادل كلمتين أو ثلاثا معي قبل أن تأوي لفراشها.. صحيح أن هذه الفتاة لم تبد مطلقا أي اهتمام بي لكني كنت أضع بنيامين فرانكلين نصب عيني.. لكنها كانت جادة.. كانت متوترة حقيقة لا تمثيلا.. وقالت وهي تبتعد عن الباب في حياء:
- لا مؤاخذة يا سي محمد على مضايقتك.. ولكني كنت عائدة للبيت حين رأيت هذا..
- رأيت ماذا يا آمال؟..
أشارت إلى الأرض إلى عتبة غرفتي الخشبية وتساءلت:
- من أين يأتي كل هذا النمل؟.. ولماذا يهرب من غرفتك أنت بالذات؟..
**********************
قلت وأنا أعابث ولاعتي:
=إن قصتك يا د.محمد تحمل روائع مألوفة لي.. هذا اللقاء لا يمكن أن يكون لقاء زميلين.. وإنني لأشم روائح د.فاوست بشكل أو بآخر.. هل أنت واثق أن داغر هذا لم يكن الشيطان؟.. وأنه لم يعرض عليك بيع روحك مقابل المجد أو الحكمة أو الثراء؟!..
قاطعني شكري في عصبية هاتفا:
- هأنتذا تفسد القصة هذه المرة..
نظرت له في غل.. من العجيب أن كراهية عارمة لا مبرر لها قد تسللت إلى علاقتي بهذا الملتحي.. مقت غريب لعينيه الوقحتين قد ملأ روحي.. وبرغم أنه يكبرني بعشرين عاما على الأقل إلا أن نفورنا قد وصل إلى درجة القتل!.. قال د.محمد شاهين في حياء:
- صبرا د.رفعت.. صبرا.. إنك لواجد الإجابة على علامات استفهامك بعد دقائق..
ثم إنه تذكر شيئا فصاح محنقا:
- بالمناسبة.. قلت لي أننا نحكي القصص حسب ترتيب السن.. هذا غير صحيح وإلا لكان أولنا هو الأستاذ شكري.. تذكرت ذلك الآن!..
ماذا أقول لهذا الرجل؟..
=د.محمد..
- نعم؟..
- هلا أكملت قصتك اللعينة هذه..؟!!
********************




قال د.محمد مواصلا حكايته وقد احمرت أذناه قليلا:
- حين انصرفت آمال بدأت أدرك أن هناك شيئا ما ليس على ما يرام.. بالواقع لم يكن أي شئ على ما يرام.. ركعت على ركبتي أتتبع سرب النمل الطويل الكثيف كأنه رسم بفرشاة سوداء على خشب الأرضية.. ها هو ذا.. إنه يتعرج حول نفسه متجها إلى أحد شقوق الحائط الكثيرة.. الموضع الذي يفر منه كل هذا النمل.. ما معنى هذا؟.. هجرة نمل في هذا الوقت من العام؟.. وقط متوتر كأنما أوصلت ذيله بقابس الكهرباء.. وبرص يعدل عن رأيه في الوقت الملائم لبدء البيات الشتوي.. وكلب يعوي كالمسعور دون سبب واضح.. كل هذا متزامن مع ذلك الشاب غريب الأطوار والمظهر الذي كان عندي منذ لحظات.. إن هذا يعني.. وانتصب شعر رأسي - كان عندي شعر رأس في تلك الآونة - واستحال جلدي كجلد الأوزة.. لقد فهمت الحيوانات والحشرات ما لم أفهمه أنا..
*****************
ومضيت أجول الغرفة في قلق.. كان جمعة قد هدأ قليلا لكنه متكور كالجورب القديم في ركن الفراش ويرمقني في توجس.. كف عن الهلع أيها القط السخيف.. لم تعد لدي أعصاب تتحمل كل هذا.. ولكن.. ما سر هذا الاسم الغريب الذي يحمله؟.. إنني واسع الثقافة - كما تعلمون جميعا - وكان من السهل أن أقول لنفسي إن داغر معناها لص وهي كلمة عربية فصحى لكننا نسينا معناها.. أما السفير فهو اسم ملئ بالدلالات.. خاصة إذا ما استبعدنا معناه القريب الدارج.. أنا أعرف أن لوسيفر هو الاسم اللاتيني للشيطان.. وقد كان في الأصل يعني الزهرة حين تغدو كوكب الصباح ثم اقترن بالشيطان في الديانة المسيحية لأنه كناية عن الخيلاء التي تقود صاحبها للهلاك.. فهل ثمة دلالة معينة لتشابه حروف لوسيفر والسفير؟!.. إنني غزير العلم - كما تدركون جميعا - وتفهمون أن الأدب العالمي هو مملكتي الخاصة وإن قصصا مثل فاوست وأحزان الشيطان لا تغيب عن مخيلتي.. لماذا لا نعرف شيئا عن نشأة داغر ولا أسرته ولا عنوان داره؟.. لماذا يزور الجميع لكن أحدا لا يزوره؟.. الوغد!.. لكم كان ناعما مهذبا مؤذيا كالأفعى!.. كانت الساعة تدنو من منتصف الليل وكان النمل قد أنهى هجرته غير المفهومة.. والقط في موضعه السابق.. حين سمعت دقا متواصلا على الباب.. وثب قلبي إلى فمي.. اتجهت للباب في تؤدة وألصقت وجهي به وسألت:
- من هناك؟..
كان هذا هو صوتي المرتجف المتوجس الرفيع كصوت سحلية مشنوقة.. وهنا سمعت الصوت الذي سيظل يفعم كوابيسي:
- إنه أنا.. داغر.. افتح يا محمد..
*********************
- دا.. دا.. داغر؟.. مـ.. ماذا تريد؟..
قال في سخرية:
- ليس لعب الشطرنج بالتأكيد.. نسيت مفاتيحي عندك..
- لحظة..
ووثبت كالملسوع إلى حيث كان جالسا.. فوجدت المفاتيح التي تحدث عنها.. غريب هذا!.. أنا واثق أنه لم توجد مفاتيح طيلة المدة التي تلت رحيله.. هذه المفاتيح برزت فجأة.. حملتها بين إصبعين كالثعبان واتجهت للباب.. هل أفتحه؟.. لا أدري لكني حتما لن أتمكن من تمريرها أسفله.. إذن لا مناص من فتح الباب.. مددت يدي للقفل وأزحته في توتر.. ودخل داغر الغرفة.. كان وجهه الوسيم صارم الملامح يتلألأ بين الظلال وهو يدلف للحجرة وعيناه تلتمعان ببريق غير مريح.. بريق لم.. ميااااااااااااااااااوووووووووووووو.. أنشب جمعة مخالبه في الملاءة وقوس ظهره ثم وثب بقفزة واحدة إلى ما تحت الفراش.. فقال داغر وهو يهز رأسه:
- إن هذا القط غريب الأطوار..
والتقط المفاتيح ودسها في جيبه وقال:
- لماذا تحتفظ بهذا الوحش في دارك؟..
كنت أنا أتعوذ وأردد الأدعية كي يتركني هذا الشئ سالما هذه الليلة.. وتراجعت إلى الوراء ثلاث خطوات..
- ماذا بك يا محمد؟.. لا تبدو طبيعيا.. هل حدث ما يضايقك؟..
كان يدنو مني في تؤدة وعلى شفتيه ابتسامة معسولة..
- ابتعد عني..!!
- لماذا؟.. لماذا لا أدنو منك؟..
كنت أتراجع للخلف محاذرا أن أصطدم بالمكتب..
- ابتعد عني أيها الشيطان!!..
ضحك والتمعت عيناه وتبدت أسنانه البيضاء:
- أنا شيطان؟.. إنك ذكي يا صديقي..
- أنت..
وهنا حدث الشئ.. الشئ الذي لم أتخيله في أفظع كوابيسي.. شممت رائحة غبار.. ثم هوى عرق خشبي من السقف وتطاير الغبار أكثر ثم بدأ الجحيم.. أخشاب تتهاوى.. الأرض تميد من تحت قدمي.. قرقعة.. صخب.. صوت تهشم.. داغر يحاول أن يقول شيئا ثم يسقط أرضا.. مواء القط.. عواء الكلب.. رائحة عطن.. صراخ نسوة.. ثم لا شئ..
*****************
في مستشفى القصر العيني صحوت لأجد نفسي ملفوفا في الضمادات وعشرات الأصوات تردد أن الحمد لله.. وفهمت ما هنالك.. لقد انهار طابقان من المنزل المتداعي الذي كنت أسكن فيه ولم يصب بالطبع وكما هي العادة سواي وداغر.. داغر المنحوس المسكين الذي عاد ليأخذ مفاتيحه دقيقة واحدة.. دقيقة واحدة لكنها كانت كافية كي ينهار المنزل فوق رأسه ومن حسن حظه أنه لم يقض نحبه.. داغر سليل الأرستقراطية الذي لعبت برأسه السياسة.. فانضم إلى إحدى المنظمات اليسارية المتطرفة وتنصلت منه أسرته.. تاركة إياه يمارس دورا اختاره لنفسه في توعية البؤساء أمثالي بقسوة وضعهم الطبقي المتدني توطئة لضمهم للمنظمة.. داغر الذي تلقى جزاء حماسه المبالغ فيه في صورة كسر في الفخذ والذراع وارتجاج مخ لا بأس به.. الواقع أنني في تلك اللحظة لم أعد أمقت ذلك المعتوه إلى ذلك الحد.. طيلة حياتي كنت أتعاطف مع الفريق الخاسر.. حاولت كسب صداقته من جديد.. لكنه كان قد تعلم درسا لا بأس به لهذا أفلت مني وعاد للدراسة من جديد.. وإن كان قد فقد مغناطيسيته أو لم يعد يعبأ بها.. ثم إن البوليس السياسي استضافه بعض الوقت مما شفاه نهائيا من التودد..
***************
وفي المستشفى زارتني آمال وأمها.. وكانتا سليمتين تماما.. وكانت الأم قد أعدت لي بعض الحمام والأرز المعمر كأفضل هدية تعرفها لمريض (ولم تكن مخطئة في الواقع).. أخبرتني في تفاؤل أن البيت أمكن إعادة ترميمه فلم يعودوا بلا مأوى.. وأقسمت أغلظ الأيمان أن آكل أمامهما في فراشي فلم أكذب خبرا.. إلا أنني تجنبت سؤالهما عن قطي العزيز جمعة الذي كان شريك حياتي لفترة وجيزة ثم ولى بعيدا ككل ما هو رائع..
- قطك بخير يا سي محمد..
قالتها آمال في نعومة مما جعل وجهي يتهلل طربا غير مصدق لما تقول فقالت مبتسمة:
- إن الحيوانات تشعر بالخطر قبلنا.. لهذا نجا بعمره في تلك الليلة..
شرد ذهني وأنا آكل الأرز إلى أحداث الأمسية.. هروب النمل وتوتر القط وذعر الكلب.. كانت تشم الخطر وتتحفز ضده.. لكني كما هو واضح أسأت فهم رسالتها وحسبت زائري المقتحم نوعا من الـ.. إن مشاكلي لم تنته.. بل بالأحرى بدأت.. لكني كنت أملك هدفا.. وأعرف كيف أحقق هذا الهدف.. لا أذكر كم من عظماء التاريخ قد انهارت غرفهم فوق رؤوسهم لكني واثق من أنهم كثيرون.. وعما قريب سيفخر كل معارفي أنهم عرفوني.. وأنهم أحضروا لي الأرز والحمام حين كنت مريضا جائعا محطما.. سيكون الغد حافلا وفيه كل شئ ممكن.. أما اليوم فلأنم ملء جفوني..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
11- حلقة الرعب - الحلقة الثانية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الأولى
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الثالثة
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الرابعة
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الخامسة
» 11- حلقة الرعب - الحلقة السادسة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: