كنز القصص والمعلومات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنز القصص والمعلومات

يحتوي المنتدى على كمية رائعة من المعلومات والقصص من كافة الأنواع لإمتاع وتثقيف القارئ
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 11- حلقة الرعب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 31/01/2018
العمر : 43
الموقع : البداري

11- حلقة الرعب  Empty
مُساهمةموضوع: 11- حلقة الرعب    11- حلقة الرعب  Emptyالجمعة فبراير 02, 2018 1:57 am

حلقة الرعب ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=أنا أمقت الشمس والزهور!..
قلتها مشعلا سيجارتي مديرا ظهري لهم لعدة ثوان لم يصدقوا أنني قلت ذلك ثم أنهم انفجروا ضاحكين في هستيريا .. سمعت صوت عادل الضاحك:
- لن تتغير أبدا يا رفعت .. دائما نفس التعليقات والآراء الشاذة التي تتعمدها لمجرد الغرابة ..
وصوت سهام الساخر:
- معنى هذا أنك تحب الظلام والوحل؟!..
وصوت هويدا الحاني:
- أنا أفهم ما يعنيه .. إنه يعشق الغموض والخيال .. لكن الشمس والزهور أشياء واضحة مألوفة إلى حد لا يُطاق ..
وصوت د.سامي يقول برزانة:
- إن الشخصيات المكتئبة المتجهمة هي نوع من فطر عيش الغراب الذي لا ينمو إلا حيث الظلام والرطوبة .. السوداوية لا تنتعش إلا في المطر والرعود ..
ثم شعرت بعيونهم تتلاقى على ظهري ويسألون:
- وما رأيك أنت يا د.رفعت؟..
ما رأيي أنا؟.. لا أدري حقا.. من أكون أنا حتى أعرف كنه نفسي؟.. كنت أتأمل الليل البهيم في الخارج ملصقا أنفي بزجاج النافذة البارد وقطرات المطر تنهال على الدروب فتتناثر قطرات الوحل هنا وهناك على حين تتكسر المرئيات عبر خيوط الماء المنزلقة فوق زجاج النافذة ببطء.. ببطء.. ثمة كشاف سيارة هنا أو هناك يمزق الظلام ويدوي صوت الأمواج الممزقة تحت عجلاتها.. على حين تتكاثف قطرات بخار الماء الضبابية أمام عيني والقشعريرة تغزو عمودي الفقري إذ أتصور البرد بالخارج وأقارنه بالدفء بالداخل.. صوت أم كلثوم ينبعث من المذياع باعثا في قلوبنا مشاعر حزينة تكاد عيوننا تندى لها.. وللحظة تتوهج الغرفة باللون الفضي الباهر.. ثم.. بروووووووووووووووووم!.. يدوي هزيم الرعد معلنا تصادم النجوم.. - يالها من أمسية!..
قالها عادل وهو يقف خلفي ينظر إلى ما أنظر إليه.. ثم استطرد..
- أعتقد أنه من الحكمة أن نبقى هنا جميعا حتى تهدأ النوّة..
=هي آخر نوّات العام..
قال عادل في خبث وهو يربت على مؤخرة رأسي:
- يالك من نحس!.. إنها أسوأ لحظة ممكنة يغادر فيها رجل القاهرة ليزور خطيبته في الاسكندرية..
=ألا في سبيل الحب ما أنا فاعل..
وهنا سمعنا صوت مدام ثريا زوجة د.سامي تدعونا في حماس إلى العشاء.. من ثم فارقنا موقفنا عند النافذة الموصدة واتجهنا إلى مقعدين وثيرين في قاعة الجلوس المريحة.. جميلة هي فيللا د.سامي وأثاثها ينم عن ذوق سليم.. وكانت ربة الدار حريصة على استخدام المساحات الشاسعة الخالية من الأثاث مع استعمال لونين فحسب هما الأزرق والأبيض والإفراط في توزيع نباتات الظل..كل هذا كان مريحا للعين إلى حد لا يوصف.. وكانت هناك مدفأة كيروسين تتوهج باعثة الدفء المادي والمعنوي في عروقنا.. أما الذي زاد الدفء إلى حد لا يمكن التعبير عنه فهو جبل الساندويتشات الذي جلبته لنا ومعه عربة الشاي بما عليها من أقداح أنيقة.. هل تفهم هذه اللحظات؟.. حين يتجمل الوجود وتشعر في روحك برضا قاتل عن الآخرين وعن نفسك؟.. حين تتمنى أن تظل في هذا الزمان والمكان حتى تموت؟.. لا وقت للتفلسف لأن هؤلاء الزملاء سينسفون الساندويتشات نسفا كالمحرومين والجبل يتناقص.. تعال نر ما تحويه.. لحما باردا..جبنا.. لا بأس.. لا بأس.. شرعت أزدرد في جشع حين دنا عادل من أذني وهمس:
- ارحم قليلا.. تأكد أولا من أن هويدا تأكل..
=لكنها تملك مثلي فما ويدين..
- إنها اللياقة أيها الهمجي.. اللياقة!
حملت ساندوتشا من البيض فأنا لا أحبه أبدا واتجهت إلى هويدا وألقيته في طبقها وقلت بفم ملئ بالطعام:
=كلي هذا..!
ثم عدت لمقعدي غارقا في نظرات الحنق التي يصوبها لي عادل.. لماذا يرمقني بهذا الشكل؟.. لن أفهمه أبدا.. شرعنا نأكل في صمت اللهم إلا من صوت المضغ المنتظم.. بعين شبه وقحة أتأمل الجالسين حولي.. تلك المجموعة التي وحدتها الصداقة وقسوة الطبيعة.. تعال أعرفك بهم.. هيا.. لا تخجل.. أنت تعرفني جيدا فلا داعي لأن أصدع رأسك بكلماتي التي حفظتها عن ظهر قلب.. أنا هو أنا دون تفاصيل.. أما هذه الفتاة -نصف الحسناء- فهي هويدا خطيبتي.. وجوارها سهام شقيقتها وعادل زوج سهام.. وهي مجموعة متلاحمة لابد أنك تعرفها إذا كنت قد قرأت مغامرتي مع آكل البشر أو لعنة الفرعون.. أما هذا الملتحي ذو النظارة السميكة فهو شكري الأشموني.. وهو موظف على المعاش ويمارس أغرب هواية يمكن لإنسان أن يمارسها.. تصوروا أنه -هذا المعتوه- يهوى كتابة قصص الرعب؟!.. ثم أنت تعرف هذا الأصلع ذا النظارة السميكة دون شك.. فكر قليلا!.. نعم.. هو بعينه د.محمد شاهين أستاذ الأنثربولوجي الذي وحدتني معه حكاية جاري آكل البشر.. وهو - كما قلت لك - إنسان برئ إلى حد لا يوصف حتى أنك لو وصفت له صراعك مع أسدين وجدتهما في غرفة نومك أمس لقضى حياته يصف شجاعتك للناس ولظل يدخل غرفة نومه في هلع كل ليلة خشية أن يجد أسدين هو الآخر!.. أما مضيفنا وامرأته - د.سامي وحرمه- فمن أكثر الناس رقيا وتحضرا وثقافة ولما لم يكونا قد رزقا بأطفال فإن السعار الاجتماعي ولا أجد لفظة أخف وطأة كان يدفعهما إلى تصرفات غير عادية مثل دعوتنا إلى العشاء.. تخيل هذا!!.. كان د.سامي أستاذا للأمراض النفسية لكنه لم يدخل عالم النفس من باب كلية الطب.. بل من باب كلية الآداب.. لهذا كان يؤمن بأساليب التحليل النفسي ويعلق صورة فرويد أبو التحليل النفسي المرعبة في غرفة مكتبه.. كان أديبا أكثر منه طبيبا.. مشكلته الوحيدة هي أنه لا يفتح فاه إلا ليعلمك شيئا جديدا وقد يكون هذا محتملا بعض الوقت.. أغلب الوقت.. لكنه بالقطع غير محتمل طيلة الوقت.. كان د.محمد شاهين متواجدا في الاسكندرية وهو بالصدفة صديق قديم لمضيفنا.. ثم أنت تعرف كيف تتم هذه الأمور.. فلان يعرف فلانا.. وعلان صديق علانه.. من ثم تكون الدعوة جماعية.. وها نحن أولاء مجتمعون في هذه الأمسية نقضي وقتا ممتعا.. لولا الأحوال الجوية السيئة التي جعلت من المتعذر عودتنا لديارنا.. والواقع أن حرم د.سامي كانت اجتماعية حقيقة لا تصنعا.. تمقت الأكسجين وتعشق ثاني أكسيد الكربون.. وكانت سعيدة فخورة بكل هؤلاء الأوغاد المزدحمين في دارها يأكلون طعامها ويشربون شرابها.. لكن هويدا كانت عصبية قلقة لأنها الآنسة الوحيدة الموجودة هنا.. وأمها العجوز وحدها في الدار مع حفيدها ابن سهام وعادل.. لهذ قربت مضيفتنا جهاز الهاتف منها كي تخبر أمها أنها ستعود متأخرة بعض الشئ وتطمئنها على أن سهام معها وزوجها.. وأنا..
- لكني خائفة..
- من أي شئ؟..
قالت هويدا وهي ترتجف مقفلة -لا شعوريا- ياقة قميصها:
- من كل شئ.. البرد.. الظلام.. الأمطار..
ردد شكري عبارتها في رصانة وهو يلوك بقايا الساندوتش الأخير وبدا الشرود على وجهه:
- البرد..الظلام..الأمطار..
ثم رفع عينيه تجاهنا..وقال بنفس الشرود:
- مفردات الرعب الأبدية..
أشعلت سيجارة وقربت المطفأة مني وقلت:
=وماذا في ذلك؟.. أي جديد في كل هذا؟..
رد شكري وهو يشعل سيجارة بدوره ويسحب المطفأة من أمامي:
- إن لدينا كل ما يلزم لقصة رعب جيدة.. البرد.. الظلام.. الأمطار.. ودراما المكان الواحد حيث يجتمع مجموعة من الأشخاص يتوقعون الشر..
=نسيت القمر..
- وعواء الذئاب.. لابد من وجود عواء ذئاب..
قال عادل وقد بدأ الحديث يروق له:
- خاصة إذا ما تخيلنا أن هذه الفيللا تطل على المقابر..
صاحت سهام في هلع وقد توترت أعصابها:
- عادل!.. هل جننت..؟
- أنا أمزح يا ملاكي.. أمزح.. أحاول أن أكون ظريفا لا أكثر..
- وقد فشلت..
خفض عادل رأسه محرجا على حين واصل شكري الكلام:
- ألا تجدون متعة ما في كل هذا؟..
تبادلنا النظرات لوهلة..ثم تساءلت هويدا في أدب:
- عم تتحدث؟..
- متعة الرعب.. ألا تشعرون بها..؟
- هل تمزح..؟
قالتها وقد تقلص وجهها في إعلان صريح عن سماجته.. إلا أن د.سامي تدخل بطريقته الرقيقة المنطلقة مؤيدا كلام ضيفه:
- إنه يعني ما قال يا آنسة هويدا.. إن هناك لذة حقيقية في الرعب يعرفها الجميع.. ولهذا يدفع الناس مالا كي يدخلوا دور السينما ليرتجفوا في الظلام مع أفلام دراكيولا وفرانكنشتاين.. ولهذا يدخلون بيت الأشباح في الملاهي..
سألت سهام:
- وما تفسير ذلك؟..
- هناك تفسيرات عدة.. قيل أن الرعب الذي ترينه في السينما هو رعب مروّض.. وفي أعتى لحظات الفزع تقولين لنفسك أن كل هذا وهم.. كله خيال.. وأنك بعد انتهاء الفيلم ستعودين لدارك سالمة.. ولهذا تمارسين في استمتاع هذا التلذذ الماسوشي.. ومعناه لذة التعذب.. لذة الشعور بالألم.. وهي موجودة لدينا جميعا بقدر متفاوت.. لكنها دائما هنالك.. والدليل هو نجاح أفلام الرعب..
أطفأت سيجارتي وقلت لشكري:
=وهل كتابة قصص الرعب مجزية يا أستاذ شكري..؟
- ياله من سؤال..
=لست مأمور ضرائب.. فلا تخش شيئا..
أجاب في شئ من المراوغة:
- إنه سؤال لا تتوقع إجابة له.. فالقول أنها غير مجزية يعني أنني فاشل أو غير موهوب.. وأنا لن أقول هذا عن نفسي أبدا..
=إذن هي مجزية..
- لا تحاول انتزاع الكلمات من حلقي.. ثم إن أدب الرعب في مصر مجرد رضيع يحبو وليس له أية جذور عتيقة في تراثنا اللهم إلا قصص النداهة والغولة والمزييرة.. لهذا أتحرك وحدي في الظلام..
=وما جدوى أن يحاول كاتب إفزاع قرائه؟..
- لأنهم يحبون ذلك!..
قالها في عصبية وقد بدأ يشعر أنني أحاول استفزازه عمدا ولم يكن مخطئا في الواقع.. وهنا تدخل د.محمد شاهين بصوته الواهن:
- ثم أن هناك كتابا عالميين مثل إدجار آلان بو وبرام ستوكر وماري شيللي كتبوا قصصا مفزعة ولم يتهمهم أحد بأنهم ليسوا أدباء..
قال د.سامي في سرور:
- هذا يؤكد ما قلناه آنفا.. إن الناس تحب أن تخاف.. ولكن ليكن ذلك خوفا مقننا محدودا.. والآن تأملوا جلستنا هذه.. نحن جالسون في الدفء والأمان في حين تعربد العواصف والأنواء في الخارج.. أليس هذا مثيرا..؟..أليس هذا فاتنا؟.. كل هذا الرعب بالخارج لكننا هنا في مأمن ولن يضيرنا شئ.. عندئذ تشعر باللذة وتتجه نحو زجاج النافذة - كما فعل د.رفعت - كي ترمق الدروب المظلمة وتتخيل ما إذا كان سيحدث لو لم نكن هنا؟!..
قال عادل وهو يصب مزيدا من الشاي لنفسه:
- تأكيدا على كلامك.. كنا نطلب من جدتنا أن تحكي لنا قصص الجان ثم نتوسل إليها أن تتوقف.. وبعد ثوان نعود لنرجوها داعين أن تواصل السرد!.. وكما قلت أنت: الرعب المروض.. أحب أن أتخيل ما سيحدث لو صادفني مصاص دماء على سلم داري.. لكني لا أحب أبدا أن يحدث ذلك!!..
- هذا هو بيت القصيد..
قالت هويدا في مرح:
-من الغريب أن يكون هنا حشد ممن لهم باع لا بأس به في عالم الرعب..
وأشارت نحوي إشارة ذات معنى:
- رفعت إسماعيل خطيبي العزيز الذي تطارده المصائب حيثما ذهب..
وأشارت نحو شكري وابتسمت مستطردة:
- وكاتب قصص رعب.. ربما الوحيد في بلادنا..و..
والتفتت إلى د.سامي وهمست:
- وأستاذ في علم النفس يفهم بواعث الرعب وجذوره..
وأضفت أنا مشيرا إلى د.محمد شاهين:
=وأستاذ في الأنثربولوجي يعرف أبعاد الخوف في الحضارة الإنسانية..
قال عادل ناقرا على صدره:
- وأنا؟.. أنا لست بائع فجل أبدا وإن لدي - كرجل أمن- ما يقال في هذا الصدد..
قالت سهام:
- حقا قلت.. أما أنا فإن لي باعا لا بأس به في الخوف من الفئران وبالتالي فإنني لن أظل صامتة!..
قالت هويدا في مرح:
- فليقل كل منا ما يثير فزعه أكثر من غيره!!..
يالها من فكرة!.. إن هذه الفتاة مخبولة تماما!.. هذا الظلام وذاك الطقس اللعين ثم تقترح هذه اللعبة؟.. لماذا تخليت عنك يا ماجي؟.. ما كنت مقترحة شيئا كهذا قط حتى لو طلبت أنا.. قلت في برود حقيقي:
=يا صغيرتي.. لقد سئمنا جميعا ألعاب حفلات الكلية هذه!..
شد عادل معصمي في قسوة وغضب:
- رفعت.. إنك تفسد كل شئ وتحيله إلى جهد ثقيل ممل.. ألم أقل لك أن تتحمس ولو مرة واحدة في حياتك؟!..
=بلى.. سأتحمس..
وجلست في تعاسة لآخذ دوري في هذه المهزلة.. وبدأت الأصوات تتعالى:
- أخاف الفقر..
- أخاف المرض..
- أخاف الفئران..
- أخاف اللصوص..
- أخاف..
- لحظة يا سادة..
قالها شكري رافعا كفه وقد بدا عليه الملل ثم قال:
- كلنا نخاف هذه الأشياء.. وكلنا نعرف أن الآخرين يخافونها.. المعضلة الحقيقية هي الفزع غير المبرر.. الفزع الذي لا ندري منطقا له لكنه يكبلنا بقيوده..
قال د.سامي وقد وجد أن من واجبه أن يعلمنا مصطلحا جديدا:
- الفوبيا.. هذه هي الكلمة المناسبة.. نعم.. الفوبيا.. هناك مخاوف عديدة في حياة كل منا لا يدري لها مصدرا ولا تفسيرا لكنها قائمة..
- يقال أن مصدرها خبرات دفينة في العقل الباطن منذ الطفولة لا نذكرها لكنها تصحو عند اللزوم.. مثلا.. لماذا نخاف الظلام؟.. هل هي تلك الخبرة القاسية الأولى حين وجدنا أنفسنا وحيدين عاجزين في الظلام بينما أمنا نائمة؟!..
قال محمد شاهين:
- إذا سمحت لي.. هناك أيضا نظرية الوجدان الجمعي.. فحين كان ظلام الليل ينسدل على الإنسان البدائي كان هذا يعني هجوم الدببة والوحوش وبمرور الزمن لم يعد الخطر قائما لكن الخوف ظل حيا في فصوص عقولنا.. ونفس الشئ ينطبق على خوف المرتفعات أكروفوبيا والأماكن المغلقة كلوستروفوبيا..

قلت وأنا أشعل سيجارة أخرى أمام نظرات هويدا المتوعدة:
=قرأت أن كابوس السقوط الشهير حين يحلم الواحد منا أنه يسقط في هاوية بلا قرار ثم يصحو فجأة غارقا في العرق.. هذا الكابوس هو إحياء لذكرى نوم الإنسان البدائي فوق غصون الأشجار حين تتخلى قبضته عن الغصن أثناء نومه فيهوي..
ابتسم د.سامي في غموض وقال:
- تلاحظ أن كابوس السقوط ينتهي دائما قبل أن تلمس الأرض..
=صحيح.. ولكن ما معنى هذا؟..
- إنه إنذار.. مجرد إنذار وليس فيلما سينمائيا له نهاية..
البريق الفضي.. ثم.. برووووووووووم!!.. وثبت هويدا في صدر أختها ترتجف.. في حين وقف عادل متصلبا وبدت مخايل التوتر على وجوه الرجال.. لماذا يصر هؤلاء الحمقى على كهربة الجو بهذه الأحاديث المسمومة؟.. لماذا لا يتحدثون عن شئ مبهج كالفيضانات والزلازل والمجاعات؟!.. قالت زوجة د.سامي:
- إن الحديث عن الخوف.. مخيف!..
فقال زوجها:
- لكنه يعيننا على فهم أنفسنا أكثر..
قال شكري مصرا على لعبته السخيفة:
- والآن.. ليقل كل منكم ما يخشاه أكثر من غيره..
قلت وأنا أطفئ السيجارة:
=لو سمحتم لي بالبدء.. أعتقد أن ألفريد هتشكوك قد تحدث عن ثلاثة كوابيس رئيسية في تحفه الثلاث: (نفوس معقدة) وناقش فيها الخوف من الأماكن الغريبة.. (جنون) وناقش فيها الخوف من الأشخاص الودودين أكثر من اللازم.. (دوار) وناقش فيها خوف المرتفعات..
هز رأسه في فتور بمعنى أن ما أقوله سخيف وغير مفيد.. ثم نظر نحو سهام وهويدا وزوجة الدكتور وسألهن:
- السيدات أولا.. ماذا يفزع مدام سهام غير الفئران؟..
- فزعا غير مبرر؟!..
- بالتأكيد..
- إنني أخاف المرآة.. أخاف من صورتي فيها وما قد تفعله حين أدير ظهري لها..
فقال شكري في رضا:
- لا بأس.. إن المرايا تلعب دورا لا بأس به في التراث الإنساني.. والخوف والتطير منها معروفان منذ القدم..
قالت هويدا مرتجفة:
- أما أنا فأخاف الصور المحملقة التي تتابعني عيناها أينما ذهبت..
- هي خدعة بصرية قديمة.. وكل صورة يمكنها أن تتابعك إذا تعمد الرسام وضع المقلة في مركز العين.. وكل رسام إعلانات يعرف كيف يعطي هذا التأثير.. وأنت يا مدام ثريا..؟
- دعني أفكر.. ما الذي يثير رعبي؟.. نعم.. أنا أخاف كثيرا مما يحدث على شاشة التلفزيون بعد انتهاء الارسال حين ننام جميعا..
- خوف غير مألوف.. لكنه يعكس الرعب الكامن فينا جميعا من المجهول..
ثم نظر إلى د.محمد شاهين متسائلا.. فهز رأسه في تواضع ثم قال:
- لا أدري حقا.. لكنني أخاف خوف الحيوانات!
- تعني تخاف الحيوانات؟..
- كلا.. أخاف خوفها.. حين يتوتر قطي الأليف أو يبدأ كلب في النباح دون سبب يكاد قلبي يقف هلعا..
قلت وقد أثارت هذه النقطة ذكرياتي:
=إن ثقة الإنسان في غريزة الحيوان تجعله متأكدا أن الحيوان يشعر بما لا نراه نحن وهذا الخوف أثبت نجاحه كمقياس في الزلازل والفيضانات وحرائق الغابات.. ولن أنسى ما أنسى توتر الجمل حين خرج حارس الكهف الرهيب بحثا عني.. ولا فرار الكلاب من طريق هويدا ليلة أن طاردها حارس المومياء..
- وأنت يا د.(سامي)؟..
- الكابوس الخاص بي هو: أننا نسافر كثيرا تاركين الفيللا خالية.. لو أن كاميرا تصوير التقطت ما يحدث فيها في تلك الآونة.. فماذا سنرى على الفيلم عند عودتنا؟!..
وابتلع ريقه في رعب:
- وأخاف الأضواء الخافتة وأفضل عليها الظلام الدامس..!
قلت أنا وقد تذكرت كوخ (ميدوسا):
=أوافقك تماما.. وأنت يا شكري ماذا يثير رعبك؟..
-الكابوس الشهير.. أن تستعين بشخص على خطر يتهددك فيتضح لك أنه جزء من الخطر.. كلنا نعرف قصصا كهذه.. الحمال الذي يسير في غابة يعيش بها رجال لا وجوه لهم.. يجد رجلا يدير له ظهره فيهرع مستنجدا به كي يحميه في أثناء اجتيازه الغابة.. عندئذ يلتفت الرجل له في بطء فيكتشف الحمال أن الرجل بلا وجه!..
صاحت النسوة الثلاث أن ياللرعب.. وطلبن من شكري أن يكف عن هذه القصص الشنيعة.. فضحك في تلذذ مرددا:
- إنها تيمة قديمة جدا في الأساطير الشعبية وقصص الرعب..
=ثمة تيمة أخرى تثير هلعي دائما.. فكرة (لم أكن أعلم وقتها كذا..) وهي تتكرر في كل شئ.. موثق العقود هاركر يبيت ليلته في قصر دراكيولا غير عالم بما يعنيه الاسم.. لكن القارئ يعلم!.. كلنا نعرف أن جدة ذات الرداء الأحمر هي ذئب متنكر لكنها لا تعرف.. هي تيمة أدبية لكنها تثير رعبي دائما..
قالت سهام:
- تبا لها من أمسية!!.. من الذي بدأ كل هذا؟..
=هويدا أختك.. حين تحدثت عن البرد والظلام والأمطار..
- وأنت سعيد بكل هذا؟..
=ولم لا..؟!
- لأن..
وتوتر وجهها واتسعت عيناها ونظرت لخارج الحجرة وهمست:
- صه!.. أكاد أقسم أن هناك من يتحرك في الردهة!!.. بل أنا واثقة من ذلك..
قفّ شعر رءوسنا جميعا وتصلبت أطرافنا على المقاعد.. لحظات ثم دوت ضحكة سهام القاسية..
- كنت أداعبكم أيها السادة!.. أداعبكم!.. من الواضح تماما أنكم مستمتعون بهذه الأحاديث.. لأنكم شجعان.. شجعان حقا..
قال عادل في حنق:
- سهام.. لقد توترت أعصابنا بما يكفي فلا تزيدي الأمر سوءا..
نهض شكري في عصبية وهتف:
- لقد أوجدنا الرعب.. لم يكن له وجود لكننا خلقناه وصنعنا له كيانا ماديا ملموسا.. لقد صار هو الضيف التاسع في هذا البيت.. بل إنه صار أكثر الحاضرين تأثيرا وفاعلية.. ألا تدركون روعة هذا..؟
تعالت سبعة أصوات حانقة أن نعم.. فقال شكري هاتفا:
- لا أحد يرغب في النوم.. الساعة قاربت منتصف الليل.. فليحك كل منا قصة مرت به.. قصة تتعلق بالفزع الغامض الذي تحدثنا عنه الآن..
=ديكاميرون!
قلتها في سخرية وبالطبع لم يفهم أحد عما أتحدث سواه ود.سامي فقال شكري:
- هو كذلك.. مثل الديكاميرون أو القصة القصيرة.. لقد تخيل الإيطالي بوكاتشيو أن الطاعون اجتاح بلدا وأن رجالا ونساء اختبئوا عشرة أيام حتى يرحل الوباء.. وشرع كل منهم يحكي قصة لتزجية ساعات الفراغ.. على أن قصصهم كانت تدور غالبا حول المجون والخيانات الزوجية.. أما الديكاميرون المصري فسيدور حول الخوف..
- يالها من فكرة!..
- فلنبدأ.. وفي نهاية الأمسية سنختار أفضل قصة ونمنحها مكافأة؟.. مكافأة خاصة جدا..
=وما هي؟..
نظر لي في شرود .. ثم ابتسم..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://yousefahmed-com.ahlamontada.com
 
11- حلقة الرعب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» 11- حلقة الرعب
» 11- حلقة الرعب - النهاية
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الثالثة
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الرابعة
» 11- حلقة الرعب - الحلقة الخامسة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
كنز القصص والمعلومات :: الفئة الأولى :: أساطير ما وراء الطبيعة-
انتقل الى: