10- أسطورة لعنة الفرعون - خاتمة القصة
الخاتمة يحكيها رفعت إسماعيل..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تلك هي الطريقة الوحيدة التي تفتق عنها ذهن د.رمزي.. ها نحن أولاء واقفون عند فوهة الفرن الكبير في مصنع الحديد والصلب الذي قامت السلطات بإخلائه تمهيدا لما نزمع القيام به وكان د.رمزي يحمل الوعاءين الكانوبيين الخاصين بالفرعون الذي أسميناه أخيروم الأول وكان ينتظر إشارة المهندس..
- الآن..
قالها المهندس في صرامة.. عندئذ ألقى د.رمزي ما في يده داخل فوهة الفرن.. إلى الحمم المنصهرة المستعرة التي تتجاوز حرارتها 1500 درجة مئوية.. وتنحى جانبا ونحن معه.. هل كان هذا صوت صراخ طويل شنيع قادم من الجحيم؟.. هل كانت هذه الألسنة الملتوية تتخذ هيئة شبح يتعذب؟.. هل كان هذا الضوء الأحمر هو ضوء النهاية؟.. لا أدري.. لكننا ظللنا نرمق الحمم التي ذاب فيها كل أثر لهذا الكيان الشرير.. الكيان الذي ظل يغفو في أوعيته داخل أحشاء أخيروم منتظرا كل من يدنس القبر وتعلق به البللورات كي يخرج ويطارده.. ويقتله شر قتلة بعد أن يترك وصمة الرعب أبدية على سحنته.. إن الذي يكمن الشر في أحشائه سينشر الرعب في قلوب المتطفلين.. وقد كان.. لكننا قضينا على أحشائه.. فهل مات الشر معها؟.. إن د.رمزي لم يترك شيئا للصدفة.. لهذا في نفس اليوم أعيدت المومياء إلى قبرها وتم إغلاقه بإحكام مع إتخاذ الضمانات الكاملة كي يظل عمال الحفر وكل من شارك في هذه القصة صامتين.. وحين ودعت د.رمزي شعرت أنني أودع صديقا.. صحيح أنني لم أفده كثيرا.. كالعادة في كل مرة يحاول أحدهم أن يستعين بخبراتي فيها.. لكنني على الأقل لم أترك في ذهنه صورة المدعي أو الجبان.. في المستشفى كانت هويدا لم تزل تحت العلاج المكثف من أستاذ الأمراض النفسية عصام شلبي وكانت تتحسن.. أما أمها فقد شفيت من الصدمة سريعا.. تجرأت مرة وسألت عادل صديقي القديم عن الشئ الذي رأوه في تلك الليلة فقال:
- لا تحدثني عن ذلك ثانية.. دعنا ننساه..
=هل كان مريعا إلى هذا الحد؟..
- لن تتخيله ما حييت..
وهنا جاء الطبيب وقال وهو يصطحبني إلى غرفتها:
- يمكنك الآن أن تحدثها ولكن برفق.. إن ما رأته لن يمحى من ذهنها لكنها تسدل فوقه ستارا مزيفا..
=كانت شجاعة.. وأحضرت ما طلبه د.رمزي منها..
-كان العبء ثقيلا على محركات روحها.. لهذا احترقت!..
وفي الغرفة كانت راقدة بين باقات الزهور التي أرسلها لها كل يوم وكانت تصغي لموسيقا هادئة في المذياع وتقرأ قصة أطفال لأن أعصابها لم تعد تتحمل أي شئ جدي أو صارم.. جلست جوار الفرش حائرا لا أدري ما أقول..
- شكرا على الزهور..
قالتها في رقة وابتسمت.. مددت يدي لأشعل سيجارة.. لكنها انتزعتها في مشاكسة وقالت:
- لولا التدخين ما حدث لي كل هذا..
=ولولا محاولتك منعي عنه ما حدث لك كل هذا..
- لا أريد زوجا يدخن..
قلت في مرارة وأنا أنظر للسقف:
=هويدا.. هل أنت واثقة أنك راغبة في الزواج مني؟.. لقد رأيت جزءا صغيرا جدا من حياتي.. هذه هي وتيرة حياتي منذ عام 1959حتى اليوم.. فهل تتحملين؟!..
انحنى عنقها حتى لا أرى وجهها وصمتت برهة.. ثم حين رفعت وجهها فهمت الحقيقة.. كانت تبكي.. تبكي بتلك الطريقة المفاجئة الغادرة التي تفاجئنا بها النساء حين لا نتوقع أن هناك ما يدعو للدموع في كلامنا.. وفطنت لحقيقة أخرى.. أنني أحب.. للمرة الأولى أحب هذه الطفلة البريئة البائسة التي أحبت كثيرا ومنحت كل عذوبة روحها لي.. لكني لم أفهم.. لأن المذءوبين ومصاصي الدماء قد احتلوا كل دهاليز روحي فلم يعد ثمة مكان لهويدا..
=هويدا..هل تقبلين؟!..
هل الصمت علامة الرضا أم علامة الرفض؟.. لا أذكر بالضبط.. لكني سأظل معها.. مهما حدث..
كان ميعاد زفافنا في مايو من نفس العام..
لكن شيئا ما حدث..
شيئا لم أتوقعه ولم أدرك قط أية لحظات قاتلة سيحملها لي..
لكن هذه قصة أخرى..
د.رفعت إسماعيل
القاهرة1992
الرئيسية 
